وقال الآلوسى :
﴿ قُلْ إِنّى على بَيّنَةٍ ﴾ ( تبيين ) للحق الذي عليه رسول الله ﷺ وبيان لاتباعه إياه إثر إبطال الباطل الذي فيه الكفرة وبيان عدم اتباعه عليه الصلاة والسلام له في وقت من الأوقات.
والبينة كما قال الراغب الدلالة الواضحة من بان يبين إذا ظهر أو الحجة الفاصلة بين الحق والباطل على أنها من البينونة أي الانفصال، وأياً ما كان فالمراد بها القرآن كما قال الجبائي وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد إني على يقين.
وعن الحسن أن المراد بها النبوة وهو غير ظاهر كتفسيرها بالحجج العقلية أو ما يعمها، والتنوين للتفخيم أي بينة جليلة الشأن.
﴿ مّن رَّبّى ﴾ أي كائنة من جهته سبحانه.
ووصفها بذلك لتأكيد ما أفاده التنوين.
وجوز أن تكون ﴿ مِنْ ﴾ اتصالية، وفي الكلام مضاف أي بينة متصلة بمعرفة ربي، وقيل : هي أجلية متعلقة بما تعلق به الخبر ويقدر المضاف أيضاً أي كائن على بينة لأجل معرفة ربي والأول أظهر، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره ﷺ من التشريف ورفع المنزلة ما لا يخفى.
وقوله سبحانه :﴿ وَكَذَّبْتُم بِهِ ﴾ كما قال أبو البقاء جملة إما مستأنفة أو حالية بتقدير قد في المشهور جيء بها لاستقباح مضمونها واستبعاد وقوعه مع تحقق ما يقتضي عدمه أو للتفرقة بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم، والضمير للبينة، والتذكير باعتبار المعنى المراد، وقال الزجاج : لأنها بمعنى البيان، وجوز أن يكون الضمير لربي على معنى إن صدقت به ووحدته وأنتم كذبتم به وأشركتم.
وقوله تعالى :﴿ مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ﴾ استئناف مبين لخطئهم في شأن ما جعلوه منشأ لتكذيبهم بالقرآن وهو عدم مجىء ما وعد فيه من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بقولهم بطريق الاستهزاء أو الإلزام بزعمهم ﴿ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين ﴾ [ يونس : ٤٨ ] وقال الإمام :"إنه عليه الصلاة والسلام كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم بسبب هذا الشرك، والقوم لإصرارهم على الكفر كانوا يستعجلون نزول ذلك ( العذاب ) فقال لهم :﴿ مَا عِندِى ﴾ " الخ وكأن الكلام مبين أيضاً لخطئهم في شأن ما جعلوه منشأ لعدم الالتفات إلى نهي الرسول ﷺ عنه والإخبار بنزول العذاب بسببه أي ليس عندي ما يستعجلونه من العذاب الموعود به وتجعلون تأخره ذريعة إلى تكذيب القرآن أو عدم الالتفات إلى النهي عنه والوعيد عليه في حكمي وقدرتي حتى أجىء به أي ليس أمره مفوضاً إليّ.
﴿ إِنِ الحكم ﴾ أي ما الحكم في تأخير ذلك ﴿ أَلاَ لِلَّهِ ﴾ وحده من غير أن يكون لغيره سبحانه دخل ما فيه بوجه من الوجوه.


الصفحة التالية
Icon