فإنّهم قالوا :﴿ اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ] وقالوا :﴿ أو تُسْقِط السماء علينا كما زعمت كِسَفا ﴾ [ الإسراء : ٩٢ ] فأمر بأن يجيب أن يقول ﴿ ما عندي ما تستعجلون به ﴾.
والاستعجال طلب التعجيل بشيء، فهو يتعدّى إلى مفعول واحد، وهو المطلوب منه تعجيل شيء.
فإذا أريد ذكر الأمر المعجّل عدّي إليه بالباء.
والباء فيه للتعدية.
والمفعول هنا محذوف دلّ عليه قوله :﴿ ما عندي ﴾.
والتقدير : تستعجلونني به.
وأمّا قوله تعالى :﴿ أتى أمر الله فلا تستعجلوه ﴾ [ النحل : ١ ] فالأظهرُ أنّ ضمير الغائب عائد لاسم الجلالة، وسيأتي في أوّل سورة النحل.
ومعنى ﴿ ما عندي ﴾ أنّه ليس في مقدرتي، كما يقال : ما بيدي كذا.
فالعندية مجاز عن التصرّف بالعلم والمقدرة.
والمعنى : أنِّي لست العليم القدير، أي لست إلهاً ولكنّني عبد مرسل أقف عند ما أرسلتُ به.
وحقيقة ( عندَ ) أنَّها ظرف المكان القريب.
وتستعمل مجازاً في استقرار الشيء لشيء وملكه إيَّاه، كقوله :﴿ وعنده مفاتح الغيب ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ].
وتستعمل مجازاً في الاحتفاظ بالشيء، كقوله :﴿ وعنده علم الساعة ﴾ [ الزخرف : ٨٥ ] ﴿ وعند الله مَكْرُهم ﴾ [ إبراهيم : ٤٦ ] ولا يحسن في غير ذلك.
والمراد بـ ﴿ ما تستعجلون به ﴾ العذاب المتوعَّد به.
عبَّر بطريق الموصولية لما تنبىء به الصلة من كونه مؤخّراً مدّخراً لهم وأنّهم يستعجلونه وأنّه واقع بهم لا محالة، لأنّ التعجيل والتأخير حالان للأمر الواقع ؛ فكان قوله :﴿ تستعجلون ﴾ في نفسه وعيداً.
وقد دلّ على أنَّه بيد الله وأنّ الله هو الذي يقدّر وقته الذي ينزل بهم فيه، لأنّ تقديم المسند الظرف أفاد قصر القلب، لأنّهم توهّموا من توعّد النبي ﷺ إيَّاهم أنّه توعّدهم بعقاب في مقدرته.


الصفحة التالية
Icon