فجعلوا تأخّره إخلافاً لتوعّده، فردّ عليهم بأنّ الوعيد بيد الله، كما سيصرّح به في قوله :﴿ إنِ الحكم إلاّ لله ﴾.
فقوله :﴿ إن الحكم إلاّ لله ﴾ تصريح بمفهوم القصر، وتأكيد له.
وعلى وجه كون ضمير ﴿ به ﴾ للقرآن، فالمعنى كذّبتهم بالقرآن وهو بيِّنة عظيمة، وسألتم تعجيل العذاب تعجيزاً لي وذلك ليس بيدي.
وجملة ﴿ يقصّ الحقّ ﴾ حال من اسم الجلالة أو استئناف، أي هو أعلم بالحكمة في التأخير أو التعجيل.
وقرأ نافع، وابن كثير، وعاصم، وأبو جعفر ﴿ يقُصّ ﴾ بضمّ القاف وبالصاد المهملة فهو من الاقتصاص، وهو اتِّباع الأثر، أي يجري قدره على أثر الحقّ، أي على وفقه ؛ أو هو من القصص، وهو الحكاية أي يحكي بالحق، أي أنّ وعده واقع لا محالة فهو لا يخبر إلاّ بالحق.
و﴿ الحقّ ﴾ منصوب على المفعولية به على الاحتمالين.
وقرأ الباقيون ﴿ يَقْض ﴾ بسكون القاف وبضاد معجمة مكسورة على أنَّه مضارع ( قضى )، وهو في المصحف بغير ياء.
فاعتُذر عن ذلك بأنّ الياء حُذفت في الخطّ تبعاً لحذفها في اللفظ في حال الوصل، إذ هو غير محلّ وقف، وذلك ممّا أجري فيه الرسم على اعتبار الوصل على النادر كما كتب ﴿ سندعُ الزبانيةُ ﴾ [ العلق : ١٨ ].
قال مكِّي قراءة الصّاد ( أي المهملة ) أحبّ إليّ لاتّفاق الحرمييْن ( أي نافع وابن كثير ) عليها ولأنَّه لو كان من القضاء للزمت الباء الموحَّدة فيه، يعني أن يقال : يقص بالحق.
وتأويله بأنّه نصب على نزع الخافض نادر.
وأجاب الزّجاج بأنّ ﴿ الحقّ ﴾ منصوب على المفعولية المطلقة، أي القضاء الحقّ، وعلى هذه القراءة ينبغي أن لا يوقف عليه لئلاّ يضطرّ الواقف إلى إظهار الياء فيخالف الرسم المصحفي.
وجملة :﴿ وهو خير الفاصلين ﴾ أي يقصّ ويخبر بالحقّ، وهو خير من يفصل بين الناس، أو يقضي بالحقّ، وهو خير من يفصل القضاء.
والفصْل يطلق بمعنى القضاء.
قال عُمر في كتابه إلى أبي موسى "فإنّ فصْل القضاء يورث الضغائن".