( كلام فى معنى الحكم وأنه لله وحده )
قال فى الميزان :
مادة الحكم تدل على نوع من الإتقان يتلائم به أجزاء وينسد به خلله وفرجه فلا يتجزأ إلى الإجزاء ولا يتلاشى إلى الأبعاض حتى يضعف أثره وينكسر سورته، وإلى ذلك يرجع المعنى الجامع بين تفاريق مشتقاته كالاحكام والتحكيم والحكمة والحكومة وغير ذلك.
وقد تنبه الإنسان على نوع تحقق من هذا المعنى في الوظائف المولوية والحقوق الدائرة بين الناس فإن الموالى والرؤساء إذا أمروا بشئ فكأنما يعقدون التكليف على المأمورين ويقيدونهم به عقدا لا يقبل الحل وتقييدا لا يسعهم معه الانطلاق، وكذلك مالك سلعة كذا، أو ذو حق في أمر كذا كأن بينه وبين سلعته أو الأمر الذى فيه نوعا من الالتئام والاتصال الذى يمنع أن يتخلل غيره بينه وبين سلعته بالتصرف أو بينه وبين مورد حقه فيقصر عنه يده، فإذا نازع أحد مالك سلعة في ملكها كأن ادعاه لنفسه أو ذا الحق في حقه فأراد إبطال حقه فقد استوهن هذا الأحكام وضعف هذا الاتقان ثم إذا عقد الحكم أو القاضى الذى رفعت إليه القضية الملك أو الحق لاحد المتنازعين فقد أوجد هناك حكما أي إتقانا بعد فتور، وقوة إحكاما بعد ضعف ووهن، وقوله : ملك السلعة لفلان أو الحق في كذا لفلان حكم يرتفع به غائلة النزاع والمشاجرة، ولا يتخلل غير المالك وذى الحق بين الملك والحق، وبين ذيهما، وبالجملة الأمر في أمره والقاضى في قضائه كأنهما يوجدان نسبة في مورد الأمر والقضاء يحكمانه بها ويرفعان به وهنا وفتورا، وهو الذى يسمى الحكم.