فلما لم تحصل تلك الداعية امتنع الفعل والترك فكان إقدام الفاعل على الفعل تارة وعلى الترك أخرى بسبب حصول تلك الداعية في قلبه من الله يجري مجرى القهر فكان قاهراً لعباده من هذه الجهة، وإذا تأملت هذه الأبواب علمت أن الممكنات والمبدعات والعلويات والسفليات والذوات والصفات كلها مقهورة تحت قهر الله مسخرة تحت تسخير الله تعالى، كما قال :﴿وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾.
وأما قوله تعالى :﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً﴾ فالمراد أن من جملة قهره لعباده إرسال الحفظة عليهم وهؤلاء الحفظة هم المشار إليهم بقوله تعالى :﴿لَهُ معقبات مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله﴾ [ الرعد : ١١ ] وقوله :﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ ق : ١٨ ] وقوله :﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين * كِرَاماً كاتبين﴾ [ الانفطار : ١٠، ١١ ] واتفقوا على أن المقصود من حضور هؤلاء الحفظة ضبط الأعمال.
ثم اختلفوا فمنهم من يقول : إنهم يكتبون الطاعات والمعاصي والمباحات بأسرها بدليل قوله تعالى :﴿ مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ ُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ [ الكهف : ٤٩ ] وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن مع كل إنسان ملكين : أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، فإذا تكلم الإنسان بحسنة كتبها من على اليمين، وإذا تكلم بسيئة قال من على اليمين لمن على اليسار انتظره لعله يتوب منها، فإن لم يتب كتب عليه.
والقول الأول : أقوى لأن قوله تعالى :﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً﴾ يفيد حفظة الكل من غير تخصيص.
والبحث الثاني : أن ظاهر هذه الآيات يدل على أن اطلاع هؤلاء الحفظة على الأقوال والأفعال، أما على صفات القلوب وهي العلم والجهل فليس في هذه الآيات ما يدل على اطلاعهم عليها.


الصفحة التالية
Icon