واعلم أن هذه الآية من أدل الدلائل على أن الإنسان ليس عبارة عن مجرد هذه البنية، لأن صريح هذه الآية يدل على حصول الموت للعبد ويدل على أنه بعد الموت يرد إلى الله، والميت مع كونه ميتاً لا يمكن أن يرد إلى الله لأن ذلك الرد ليس بالمكان والجهة، لكونه تعالى متعالياً عن المكان والجهة، بل يجب أن يكون ذلك الرد مفسراً بكونه منقاداً لحكم الله مطيعاً لقضاء الله، وما لم يكن حياً لم يصح هذا المعنى فيه، فثبت أنه حصل ههنا موت وحياة أما الموت، فنصيب البدن : فبقي أن تكون الحياة نصيباً للنفس والروح ولما قال تعالى :﴿ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله﴾ وثبت أن المرد وهو النفس والروح، ثبت أن الإنسان ليس إلا النفس والروح، وهو المطلوب.
واعلم أن قوله :﴿ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله﴾ مشعر بكون الروح موجودة قبل البدن، لأن الرد من هذا العالم إلى حضرة الجلال : إنما يكون لو أنها كانت موجودة قبل التعلق بالبدن، ونظيره قوله تعالى :﴿ارجعى إلى رَبّكِ﴾ [ الفجر : ٢٨ ] وقوله :﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً﴾ [ يونس : ٤ ] ونقل عن النبي ﷺ أنه قال :" خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام " وحجة الفلاسفة على إثبات أن النفوس البشرية غير موجودة قبل وجود البدن حجة ضعيفة بينا ضعفها في "الكتب العقلية".
البحث الثاني : كلمة "إلى" تفيد انتهاء الغاية فقوله إلى الله يشعر بإثبات المكان والجهة لله تعالى وذلك باطل فوجب حمله على أنهم ردوا إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه.


الصفحة التالية
Icon