قرأ عاصم بالتفخيم، والباقون بالإمالة، وحجة من قرأ على المغايبة أن ما قبل هذا اللفظ، وما بعده مذكور بلفظ المغايبة، فأما ما قبله فقوله :﴿تَدْعُونَهُ﴾ وأما ما بعده فقوله :﴿قُلِ الله يُنَجّيكُمْ مّنْهَا﴾ وأيضاً فالقراءة بلفظ الخطاب توجب الإضمار، والتقدير : يقولون لئن أنجيتنا، والإضمار خلاف الأصل.
وحجة من قرأ على المخاطبة قوله تعالى في آية أخرى :﴿لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٨﴾

فصل


قال الفخر :
﴿ظلمات البر والبحر﴾ مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما.
يقال : لليوم الشديد يوم مظلم.
ويوم ذو كواكب أي اشتدت ظلمته حتى عادت كالليل، وحقيقة الكلام فيه أنه يشتد الأمر عليه، ويشتبه عليه كيفية الخروج، ويظلم عليه طريق الخلاص، ومنهم من حمله على حقيقته فقال : أما ظلمات البحر فهي أن تجتمع ظلمة الليل، وظلمة البحر وظلمة السحاب، ويضاف الرياح الصعبة والأمواج الهائلة إليها، فلم يعرفوا كيفية الخلاص وعظم الخوف، وأما ظلمات البر فهي ظلمة الليل وظلمة السحاب والخوف الشديد من هجوم الأعداء، والخوف الشديد من عدم الاهتداء إلى طريق الصواب، والمقصود أن عند اجتماع هذه الأسباب الموجبة للخوف الشديد لا يرجع الإنسان إلا إلى الله تعالى، وهذا الرجوع يحصل ظاهراً وباطناً، لأن الإنسان في هذه الحالة يعظم إخلاصه في حضرة الله تعالى، وينقطع رجاؤه عن كل ما سوى الله تعالى، وهو المراد من قوله :﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ فبين تعالى أنه إذا شهدت الفطرة السليمة والخلقة الأصلية في هذه الحالة بأنه لا ملجأ إلا إلى الله، ولا تعويل إلا على فضل الله، وجب أن يبقى هذا الإخلاص عند كل الأحوال والأوقات، لكنه ليس كذلك، فإن الإنسان بعد الفوز بالسلامة والنجاة.


الصفحة التالية
Icon