يحيل تلك السلامة إلى الأسباب الجسمانية، ويقدم على الشرك، ومن المفسرين من يقول : المقصود من هذه الآية الطعن في إلهية الأصنام والأوثان، وأنا أقول : التعلق بشيء مما سوى الله في طريق العبودية يقرب من أن يكون تعلقاً بالوثن، فإن أهل التحقيق يسمونه بالشرك الخفي، ولفظ الآية يدل على أن عند حصول هذه الشدائد يأتي الإنسان بأمور : أحدها : الدعاء.
وثانيها : التضرع.
وثالثها : الإخلاص بالقلب، وهو المراد من قوله :﴿وَخُفْيَةً﴾ ورابعها : التزام الاشتغال بالشكر، وهو المراد من قوله :﴿لَئِنْ أَنجَيتنا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٨ ـ ١٩﴾
وقال أبو حيان :
﴿ قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر ﴾
لما تقدم ذكره دلائل على ألوهيته تعالى من العلم التام والقدرة الكاملة ذكر نوعاً من أثرهما وهو الإنجاء من الشدائد وهو استفهام يراد به التقرير والإنكار والتوبيخ والتوقيف على سوء معتقدهم عند عبادة الأصنام وترك الذي ينجي من الشدائد ويلجأ إليه في كشفها.
قيل : وأريد حقيقة الظلمة وجمعت باعتبار موادها ففي البر والبحر ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الصواعق، وفي البر أيضاً ظلمة الغبار وظلمة الغيم وظلمة الريح، وفي البحر أيضاً ظلمة الأمواج ويكون ذلك على حذف مضاف التقدير مهالك ظلمة البر والبحر ومخاوفها وأكثر المفسرين على أن الظلمات مجاز عن شدائد البر والبحر ومخاوفهما وأهوالهما، والعرب تقول : يوم أسود ويوم مظلم ويوم ذو كواكب كأنه لإظلامه وغيبوبة شمسه بدت فيه الكواكب ويعنون به أن ذلك اليوم شديد عليهم.
قال قتادة والزجاج : من كرب البر والبحر.
وحكى الطبري : ضلال الطريق في الظلمات.
وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد ما يشفون عليه من الخسف في البر والغرق في البحر بذنوبهم فإذا دعوا وتضرعوا كشف الله عنهم الخسف والغرق فنجوا من ظلماتها ؛ انتهى.


الصفحة التالية
Icon