وقال ابن كثير :
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) ﴾
يخبر تعالى إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل، وهذا هو التوفي الأصغر كما قال تعالى :﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا] ﴾ [آل عمران : ٥٥]، وقال تعالى :﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [الزمر : ٤٢]، فذكر في هذه الآية الوفاتين : الكبرى والصغرى، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، فقال :﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ﴾ أي : ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار. وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم، في حال سكونهم وفي حال حركتهم، كما قال :﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد : ١٠]، وكما قال تعالى :﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ﴾ أي : في الليل ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [القصص : ٧٣] أي : في النهار، كما قال :﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ [النبأ : ١٠، ١١] ؛ ؛ ولهذا قال هاهنا :﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ﴾ أي : ما كسبتم بالنهار ﴿ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ﴾ أي : في النهار. قاله مجاهد، وقتادة، والسُّدِّي.
وقال ابن جريج عن عبد الله بن كثير : أي في المنام.