وقال الآلوسى :
﴿ وَكَذَّبَ بِهِ ﴾ أي القرآن كما قال الأزهري وروي ذلك عن الحسن، وقيل : الضمير لتصريف الآيات، واختاره الجبائي والبلخي.
وقيل : هو للعذاب واختاره غالب المفسرين ﴿ قَوْمِكَ ﴾ أي قريش، وقيل : هم وسائر العرب، وأياً ما كان فالمراد المعاندون منهم، قيل : ولعل إيرادهم بهذا العنوان للإيذان بكمال سوء حالهم فإن تكذيبهم بذلك مع كونهم من قومه عليه الصلاة والسلام مما يقضي بغاية عتوهم ومكابرتهم، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر مراراً.
﴿ وَهُوَ الحق ﴾ أي الكتاب الصادق في كل ما نطق به لا ريب فيه أو المتحقق الدلالة أو الواقع لا محالة.
والواو حالية والجملة بعدها في موضع الحال من الضمير المجرور، وقيل : الواو استئنافية وبعدها مستأنفة.
وأياً ما كان ففيه دلالة على عظم جنايتهم ونهاية قبحها.
﴿ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ أي ( بموكل فوض أمركم إلى أحفظ أعمالكم لأجازيكم بها ) إنما أنا منذر ولم آل جهداً في الإنذار والله سبحانه هو المجازي قاله الحسن.
وقال الزجاج : المراد إني لم أومر بحربكم ومنعكم عن التكذيب وفي معناه ما نقل عن الجبائي.
والآية على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما منسوخة بآية القتال ولا بعد في ذلك على المعنى الثاني. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ﴾
عطف على ﴿ انظر كيف نُصَرّفُ الآيات ﴾ [ الأنعام : ٦٥ ]، أي لعلَّهم يفقهون فلم يفقهوا وكذّبوا.
وضمير ﴿ به ﴾ عائد إلى العذاب في قوله ﴿ على أن يبعث عليكم عَذَاباً ﴾ [ الأنعام : ٦٥ ]، وتكذيبهم به معناه تكذيبهم بأنّ الله يعذّبهم لأجل إعراضهم.
والتعبير عنهم بـ ﴿ قومك ﴾ تسجيل عليهم بسوء معاملتهم لمن هو من أنفسهم، كقوله تعالى :﴿ قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القُرْبى ﴾ [ الشورى : ٢٣ ]، وقال طرفة :
وظُلْمُ ذوي القُربى أشدُّ مضاضةً
على المرْء من وقْع الحُسام المهنّدِ...
وتقدّم وجه تعدية فعل ( كذّب ) بالباء عند قوله تعالى :﴿ وكذّبتم به ﴾ في هذه السورة [ ٥٧ ].
وجملة ﴿ وهو الحقّ ﴾ معترضة لقصد تحقيق القدرة على أن يبعث عليهم عذاباً الخ.
وقد تحقّق بعض ذلك بعذاببٍ من فوقهم وهو عذاب القحط، وبإذاقتهم بأس المسلمين يوم بدر.
ويجوز أن يكون ضمير به عائداً إلى القرآن، فيكون قوله :﴿ وكذّب به ﴾ رجوعاً بالكلام إلى قوله ﴿ قل إنِّي على بيِّنة من ربِّي وكذّبتم به ﴾ [ الأنعام : ٥٧ ]، أي كذّبتم بالقرآن، على وجه جعل ( مِنْ ) في قوله :﴿ من ربِّي ﴾ [ الأنعام : ٥٧ ] ابتدائية كما تقدّم، أي كذّبتم بآية القرآن وسألتم نزولَ العذاب تصديقاً لرسالتي وذلك ليس بيدي.
ثم اعتُرض بجمل كثيرة.


الصفحة التالية
Icon