وقال القرطبى :
﴿ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى ﴾
قيل : هذا خطاب للنبيّ ﷺ والمراد أمته ؛ ذهبوا إلى تبرئته عليه السلام من النسيان.
وقيل : هو خاص به، والنسيان جائز عليه.
قال ابن العربيّ : وإن عذَرْنا أصحابنا في قولهم إن قوله تعالى :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ خطابٌ للأمة باسم النبيّ ﷺ لاستحالة الشِّرْك عليه، فلا عُذْر لهم في هذا لجواز النسيان عليه.
قال عليه السلام :" نَسِيَ آدمُ فنَسِيت ذرِّيَّتُه " خرّجه الترمذيّ وصحّحه.
وقال مخبراً عن نفسه :" إنما أنا بشر مثلكم أَنْسَى كما تَنسَوْن فإذا نسيت فذكّروني " خرّجه في الصحيح، فأضاف النسيان إليه.
وقال وقد سمع قراءة رجل :"لقد أذكرَني آيةَ كذا وكذا كنتُ أنسيتها".
واختلفوا بعد جواز النسيان عليه ؛ هل يكون فيما طريقه البلاغ من الأفعال وأحكام الشرع أم لا.
؟ فذهب إلى الأوّل فيما ذكره القاضي عياض عامّةُ العلماء والأئمةُ النُّظار ؛ كما هو ظاهر القرآن والأحاديث، لكن شرط الأئمة أن الله تعالى ينبّهه على ذلك ولا يقرّه عليه.
ثم اختلفوا هل مِن شرط التنبيه اتصاله بالحادثة على الفَوْر، وهو مذهب القاضي أبي بكر والأكثرِ من العلماء، أو يجوز في ذلك التَّراخِي ما لم يَنخرِم عمره وينقطع تبليغه، وإليه نحا أبو المعَالِي.
ومنعت طائفة من العلماء السَّهوَ عليه في الأفعال البلاغِية والعبادات الشرعيّة ؛ كما منعوه اتفاقا في الأقوال البلاغِية، واعتذروا عن الظواهر الواردة في ذلك ؛ وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق.
وشذّت الباطِنيّة وطائفة من أرباب علم القلوب فقالوا : لا يجوز النسيان عليه، وإنما يَنْسَى قصداً ويتعمّد صورةَ النسيان ليَسُنّ.
ونَحَا إلى هذا عظيم من أئمة التحقيق وهو أبو المظفر الإسفِرايِينِي في كتابه ( الأوسط ) وهو منحًى غيرُ سديد، وجمعُ الضدّ مع الضدّ مستحيل بعيد. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٧ صـ ﴾


الصفحة التالية