وقال الآلوسى :
﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان ﴾ بأن يشغلك فتنسى الأمر بالإعراض عنهم فتجالسهم ابتداء أو بقاء، وهذا على سبيل الفرض إذ لم يقع وأنى للشيطان سبيل إلى إشغال رسول الله ﷺ، ولذا عبر بأن الشرطية المزيدة ما بعدها.
وذهب بعض المحققين أن الخطاب هنا وفيما قبل لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام والمراد غيره، وقيل : لغيره ابتداء أي إذا رأيت أيها السامع وإن أنساك أيها السامع والمشهور عن الرافضة اختيار أن النبي ﷺ منزه عن النسيان لقوله تعالى :﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى ﴾ [ الأعلى : ٦ ] وأن غيرهم ذهب إلى جوازه وعلى نسبة الأول إليهم نص صاحب "الأحكام" والجبائي وغيرهما.
وقال الأخير : إن الآية دليل على بطلان قولهم ذلك.
والذي وقفت عليه في معتبرات كتبهم أنهم لا يجوزون النسيان، وكذا السهو على النبي ﷺ وكذا على سائر الأنبياء عليهم السلام فيما يؤديه عن الله تعالى من القرآن والوحي، وأما ما سوى ذلك فيجوزون عليه عليه الصلاة والسلام أن ينساه ما لم يؤد إلى إخلال الدين.
وأنا أرى أن محل الخلاف النسيان الذي لا يكون منشؤه اشتغال السر بالوساوس والخطرات الشيطانية فإن ذلك مما لا يرتاب مؤمن في استحالته على رسول الله ﷺ، وتفصيل الكلام في ذلك على ما في معتبرات كتبنا أن مذهب جمهور العلماء جواز النسيان عليه ﷺ في أحكام الشرع وهو ظاهر القرآن والأحاديث لكن اتفقوا على أنه عليه الصلاة والسلام لا يقر عليه بل يعلمه الله تعالى به، ثم قال الأكثرون يشترط تنبهه عليه الصلاة والسلام على الفور متصلاً بالحادثة ولا يقع فيه تأخير، وجوزت طائفة تأخيره مدة حياته ﷺ واختاره إمام الحرمين، ومنعت ذلك طائفة من العلماء في الأفعال البلاغية والعبادات كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه ﷺ في الأقوال البلاغية، وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك.
وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني، وصحح النووي الأول فإن ذلك لا ينافي النبوة، وإذا لم يقر عليه لم يتحصل منه مفسدة ولا ينافي الأمر بالاتباع بل يحصل منه فائدة وهو بيان أحكام الناسي وتقرر الأحكام.


الصفحة التالية
Icon