قال أبو حيَّان : كأنه تَخَيَّلَ أن في العَطْفِ يلزم القَيْدُ الذي في المعطوف عليه، وهو " مِنْ حِسَابِهِم " فهو قيد في " شيء " فلا يجوز عنده أن يكون من عَطْفِ المفردات عطفاً على " من شيء " على الموضع ؛ لأنه يصير التقدير عنده : ولكن ذكرى من حسابهم، وليس المعنى على هذا، وهذا الذي تَخَيَّلَهُ ليس بشيء، ولا يلزم في العطف بـ " لكن " ما ذكر ؛ تقول : ما عندنا رَجُلُ سُوءٍ ولكن رَجُلُ صِدْقٍ، وما عندما رَجُلٌ من تميم ولكن رَجُلٌ من قريش، وما قام من رَجُلٍ عالم ولكن رَجُل جاهل، فعلى هذا الذي قَرَّرْناهُ يجوز أن يكون من عطف الجمل كما تقدم، وأن يكون من عَطْفِ المفرادات والعطف بالواو، ولكن جيء بها للاستدراك.
قال شهاب الدِّين : قوله :" تقول : ما عندنا رجل سوء وكن رجل صدق " إلى آخر الأمثلة التي ذكرها لا يَرُدُّ على الزمخشري ؛ لأن الزمخشري وغيره من أهْلِ اللِّسانِ والأصوليين يقولون : إنَّ العطف ظَاهِرٌ في التشريك، فإن كان في المعطوف عليه قَيْدٌ فالظَّاهِرُ تقييد المعطوف بذلك القَيْد ؛ إلاَّ أن تجيء قرينَةٌ صارِفَةٌ، فيُحَالٌ الأمر عليها.
فإذا قلت : ضربت زيداً يوم الجمعة وعمراً، فالظاهر اشتراك عمرو مع زيد في الضَّربِ مقيداً بيوم الجمعة، فإن قلت : وعمراً يوم السبت لم يشاركه في قَيْدِهِ، والآية الكريمة من قَبِيلِ النوع الأول ؛ أي : لم يؤت مع المعطوف بقرينه تُخْرِجُهُ، فالظاهر مُشَاركَتُهُ للأول في قيده، ولو شاركه في قيده لزم منه ما ذكر الزومخشري، وأما الأمثلة التي أوْرَدَهَا فالمعطوف مُقَيَّدٌ بيغر القيد الذي قيد به الأوَّل، وإنما كان نبغي أن يُمَثِّلَ بقوله :" ما عندنا رجل سوء ولكن امرأة وما عندنا رجل من تميم ولكن صبي "، فالظاهر من هذا أن المعنى : ولكن امرأة سوء، ولكن صبي من قريش.


الصفحة التالية
Icon