اعلم أن هؤلاء هم المذكورون بقوله :﴿الذين يَخُوضُونَ فِى ءاياتنا﴾ ومعنى ﴿ذَرْهُمْ﴾ أعرض عنهم وليس المراد أن يترك إنذارهم لأنه تعالى قال بعده :﴿وَذَكّرْ بِهِ﴾ ونظيره قوله تعالى :﴿أُولَئِكَ الذين يَعْلَمُ الله مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ والمراد ترك معاشرتهم وملاطفتهم ولا يترك إنذارهم وتخويفهم.
واعلم أنه تعالى أمر الرسول بأن يترك من كان موصوفاً بصفتين :
الصفة الأولى : أن يكون من صفتهم أنهم اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وفي تفسيره وجوه : الأول : المراد أنهم اتخذوا دينهم الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام لعباً ولهواً حيث سخروا به واستهزؤوا به.
الثاني : اتخذوا ما هو لعب ولهو من عبادة الأصنام وغيرها ديناً لهم.
الثالث : أن الكفار كانوا يحكمون في دين الله بمجرد التشهي والتمني، مثل تحريم السوائب والبحائر وما كانوا يحتاطون في أمر الدين ألبتة، ويكتفون فيه بمجرد التقليد فعبر الله تعالى عنهم أنهم اتخذوا دينهم لعباً ولهواً.
والرابع : قال ابن عباس جعل الله لكل قوم عيداً يعظمونه ويصلون فيه ويعمرونه بذكر الله تعالى.
ثم إن الناس أكثرهم من المشركين، وأهل الكتاب اتخذوا عيدهم لهواً ولعباً غير المسلمين فإنهم اتخذوا عيدهم كما شرعه الله تعالى.
والخامس : وهو الأقرب، أن المحقق في الدين هو الذي ينصر الدين لأجل أنه قام الدليل على أنه حق وصدق وصواب.
فأما الذين ينصرونه ليتوسلوا به إلى أخذ المناصب والرياسة وغلبة الخصم وجمع الأموال فهم نصروا الدين للدنيا، وقد حكم الله على الدنيا في سائر الآيات بأنها لعب ولهو.
فالمراد من قوله :﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً﴾ هو الإشارة إلى من يتوسل بدينه إلى دنياه.
وإذا تأملت في حال أكثر الخلق وجدتهم موصوفين بهذه الصفة وداخلين تحت هذه الحالة. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon