الصفة الثانية : قوله تعالى :﴿وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا﴾ وهذا يؤكد الوجه الخامس الذي ذكرناه كأنه تعالى يقول إنما اتخذوا دينهم لعباً ولهواً لأجل أنهم غرتهم الحياة الدنيا.
فلأجل استيلاء حب الدنيا على قلوبهم أعرضوا عن حقيقة الدين واقتصروا على تزيين الظواهر ليتوسلوا بها إلى حطام الدنيا.
إذا عرفت هذا، فقوله :﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً﴾ معناه أعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ولا تقم لهم في نظرك وزناً ﴿وَذَكّرْ بِهِ﴾ واختلفوا في أن الضمير في قوله :﴿بِهِ﴾ إلى ماذا يعود ؟ قيل : وذكر بالقرآن وقيل أنه تعالى قال :﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً﴾ والمراد الدين الذي يجب عليهم أن يتدينوا به ويعتقدوا صحته.
فقوله :﴿وَذَكّرْ بِهِ﴾ أي بذلك الدين لأن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكور.
والدين أقرب المذكور، فوجب عود الضمير إليه.
أما قوله ﴿أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ فقال صاحب "الكشاف" : أصل الإبسال المنع ومنه، هذا عليك بسل أي حرام محظور، والباسل الشجاع لامتناعه من خصمه، أو لأنه شديد البسور، يقال بسر الرجل إذا اشتد عبوسه، وإذا زاد قالوا بسل، والعابس منقبض الوجه.
إذا عرفت هذا فنقول : قال ابن عباس :﴿تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ أي ترتهن في جهنم بما كسبت في الدنيا.
وقال الحسن ومجاهد : تسلم للمهلكة أي تمنع عن مرادها وتخذل.
وقال قتادة : تحبس في جهنم، وعن ابن عباس ﴿تُبْسَلَ﴾ تفضح و﴿أُبْسِلُواْ﴾ فضحوا، ومعنى الآية وذكرهم بالقرآن، ومقتضى الدين مخافة احتباسهم في نار جهنم بسبب جناياتهم لعلهم يخافون فيتقون.
ثم قال تعالى :﴿لَيْسَ لَهَا﴾ أي ليس للنفس ﴿مِن دُونِ الله وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾ أي وإن تفذ كل فداء، والعدل الفدية لا يؤخذ ذلك العدل وتلك الفدية منها.