قوله تعالى ﴿كالذى استهوته الشياطين فِى الأرض﴾
فصل
قال الفخر :
اختلفوا في اشتقاق ﴿استهوته﴾ على قولين :
القول الأول : أنه مشتق من الهوى في الأرض، وهو النزول من الموضع العالي إلى الوهدة السافلة العميقة في قعر الأرض، فشبه الله تعالى حال هذا الضال به وهو قوله :﴿وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السماء﴾ [ الحج : ٣١ ] ولا شك أن حال هذا الإنسان عند هويه من المكان العالي إلى الوهدة العميقة المظلمة يكون في غاية الاضطراب والضعف والدهشة.
والقول الثاني : أنه مشتق من اتباع الهوى والميل، فإن من كان كذلك فإنه ربما بلغ النهاية في الحيرة، والقول الأول أولى، لأنه أكمل في الدلالة على الدهشة والضعف.
الصفة الثانية : قوله :﴿حَيْرَانَ﴾ قال الأصمعي : يقال حار يحار حيرة وحيراً، وزاد الفراء حيراناً وحيرورة، ومعنى الحيرة هي التردد في الأمر بحيث لا يهتدي إلى مخرجه.
ومنه يقال : الماء يتحير في الغيم أي يتردد، وتحيرت الروضة بالماء إذا امتلأت فتردد فيها الماء.
واعلم أن هذا المثل في غاية الحسن، وذلك لأن الذي يهوي من المكان العالي إلى الوهدة العميقة يهوي إليها مع الاستدارة على نفسه، لأن الحجر حال نزوله من الأعلى إلى الأسفل ينزل على الاستدارة، وذلك يوجب كمال التردد والتحير، وأيضاً فعند نزوله لا يعرف أنه يسقط على موضع يزداد بلاؤه بسبب سقوطه عليه أو يقل، فإذا اعتبرت مجموع هذه الأحوال علمت أنك لا تجد مثالاً للمتحير المتردد الخائف أحسن ولا أكمل من هذا المثال. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٢٥﴾