وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ كالذي ﴾ الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف.
﴿ استهوته الشياطين فِي الأرض حَيْرَانَ ﴾ أي استغوته وزيّنت له هواه ودعته إليه.
يقال : هَوَى يَهْوِي إلى الشيء أسرع إليه.
وقال الزجاج : هو من هَوِيَ يَهْوَى، مِن هَوَى النفس ؛ أي زَيّن له الشيطان هواه.
وقراءة الجماعة "استهوته" أي هوت به، على تأنيث الجماعة.
وقرأ حمزة "استهواه الشياطين" على تذكير الجمع.
وروي عن ابن مسعود "استهواه الشيطان"، وروي عن الحسن، وهو كذلك في حرف أبَيّ.
ومعنى "ائتنا" تابعنا.
وفي قراءة عبد الله أيضاً "يَدعُونه إلى الهُدَى بَيِّناً".
وعن الحسن أيضاً "استهوته الشياطون".
﴿ حَيْرَان ﴾ نصب على الحال، ولم ينصرف لأن أنثاه حيرى كسكران وسكرى وغضبان وغضبى.
والحَيْرَانُ هو الذي لا يهتدِي لجهة أمره.
وقد حار يَحار حَيْراً وحَيْرَة وحَيْرُورة، أي تردّد.
وبه سُمِّي الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائراً، والجمع حُورَان.
والحائر الموضع الذي يتحير فيه الماء.
قال الشاعر :
تَخْطُو على بَرْدِيّتَيْن غذاهما...
غَدِقٌ بساحة حائرٍ يَعْبُوبُ
قال ابن عباس : أي مَثَل عابد الصنم مثل من دعاه الغُول فيتبعه فيُصبح وقد ألقته في مَضَلّة ومَهْلَكة ؛ فهو حائر في تلك المَهامِة.
وقال في رواية أبي صالح : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق، كان يدعو أباه إلى الكفر وأبواه يدعوانه إلى الإسلام والمسلمون ؛ وهو معنى قوله :﴿ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى ﴾ فيأبى.
قال أبو عمر : أمُّه أمُّ رُومانَ بنت الحارث بن غَنْم الكنانية ؛ فهو شقيق عائشة.
وشهِد عبد الرحمن بن أبي بكر بَدْراً وأُحُداً مع قومه وهو كافر، ودعا إلى البراز فقام إليه أبوه ليبارزه فذكر أن رسول الله ﷺ قال له "مَتِّعْنِي بنفسك".
ثم أسلم وحسُن إسلامه، وصحب النبي ﷺ في هُدْنَة الحُدَيْبِيَة.


الصفحة التالية
Icon