وجوز أبو البقاء أن يكون الجار حالاً من ﴿ حَيْرَانَ ﴾ وهو ممنوع من الصرف ومؤنثه حيرى أي تائهاً ضالاً عن الجادة لا يدري ما يصنع. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
الكاف في موضع الحال من الضمير في ﴿ نُردّ على أعقابنا ﴾، أي حال كوننا مشْبهينَ للذي استهوته الشياطين فهذه الحال مؤكّدة لما في ﴿ نردّ على أعقابنا ﴾ من معنى التَمثيل بالمرتدّ على أعقابه.
والاستهواء استفعال، أي طلب هَوى المرء ومحبّتِه، أي استجلاب هَوى المرء إلى شيء يحاوله المستجلِب.
وقرّبه أبو علي الفارسي بمعنى همزة التعدية.
فقال : استهواه بمعنى أهواه مثل استزلّ بمعنى أزلّ.
ووقع في "الكشَّاف" أنَّه استفعال من هَوَى في الأرض إذا ذهب فيها، ولا يعرف هذا المعنى من كلام أئمَّة اللغة ولِم يذكره هو في "الأساس" مع كونه ذكر ﴿ كالذي استهوته الشياطين ﴾ ولم ينبِّه على هذا مَن جاء بعده.
والعرب يقولون : استهوته الشياطين، إذا اختطفت الجنّ عقله فسيَّرتْه كما تريد.
وذلك قريب من قولهم : سَحَرتْه، وهم يعتقدون أنّ الغيلان هي سحرة الجنْ، وتسمَّى السعالي أيضاً، واحدتُها سَعْلاة، ويقولون أيضاً : استهامته الجنّ إذا طلبت هُيامه بطاعتها.
وقوله :﴿ في الأرض ﴾ متعلّق بـ ﴿ استهوته ﴾، لأنَّه يتضمَّن معنى ذهبت به وضلّ في الأرض.
وذلك لأنّ الحالة التي تتوهَّمها العرب استهواء الجنّ يصاحبها التوحّش وذهاب المجنون على وجهه في الأرض راكباً رأسه لا ينتصح لأحد، كما وقع لكثير من مجانينهم ومَن يزعمون أنّ الجنّ اختطفتهم.
ومن أشهرهم عَمْرو بن عَدي الأيادي اللخمي ابن أخت جُذيمة بن مالك ملك الحيرة.
وجوّز بعضهم أن يكون ﴿ في الأرض ﴾ متعلِّقاً بـ ﴿ حَيْران ﴾، وهو بعيد لعدم وجود مقتض لتقديم المعمول.
و﴿ حَيْرانَ ﴾ حال من ﴿ الذي استهوتْه ﴾، وهو وصف من الحَيْرة، وهي عدم الاهتداء إلى السبيل.
يقال : حارَ يحَار إذ تاهَ في الأرض فلم يعلم الطريق.