وقال الآلوسى :
وقوله تعالى :﴿ وَأَنْ أَقِيمُواْ الصلاة واتقوه ﴾ أي الرب في مخالفة أمره سبحانه بتقدير حرف الجر وهو عطف على الجار والمجرور السابق، وقد صرح بدخول أن المصدرية على الأمر سيبويه وجماعة، وجوز أن يعطف ﴿ أَنْ أَقِيمُواْ ﴾ على موضع ﴿ لِنُسْلِمَ ﴾ [ الأنعام : ٧١ ] كأنه قيل : أمرنا أن نسلم وأن أقيموا.
وقيل : العطف على مفعول الأمر المقدر أي أمرنا بالإيمان وإقامة الصلاة، وقيل : على قوله تعالى :﴿ إِنَّ هُدَى الله ﴾ [ الأنعام : ٧١ ] الخ أي قل لهم إن هدى الله هو الهدى وأن أقيموا، وقيل : على ﴿ ائتنا ﴾ [ الأنعام : ٧١ ]، وقيل : غير ذلك.
وذكر الإمام أنه كان الظاهر أن يقال : أمرنا لنسلم ولأن نقيم إلا أنه عدل لما ذكر للإيذان " بأن الكافر ما دام كافراً كان كالغائب الأجنبي فخوطب بما خوطب به الغُيَّب وإذا أسلم ودخل في زمرة المؤمنين صار كالقريب الحاضر فخوطب بما يخاطب به الحاضرون " وقوله سبحانه :﴿ وَهُوَ الذى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ جملة مستأنفة موجبة للامتثال بما أمر به سبحانه من الأمور الثلاثة، وتقديم المعمول لإفادة الحصر مع رعاية الفواصل أي إليه سبحانه لا إلى غيره تحشرون يوم القيامة. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ وأن أقيموا الصلاة ﴾ إنْ جُعلت ( أنْ ) فيه مصدرية على قول سيبويه، إذ يسوّغ دخول ( أنْ ) المصدرية على فِعل الأمر فتفيد الأمر والمصدرية معاً لأنّ صيغة الأمر لم يؤت بها عبثاً، فقول المعربين : إنَّه يتجرّد عن الأمرية، مرادهم به أنَّه تجرّد عن معنى فعل الأمر إلى معنى المصدرية فهو من عطف المفردات.
وهو إمّا عطف على ﴿ لنسلم ﴾ بتقدير حرف جرّ محذوف قبل ( أنْ ) وهو الباء.
وتقدير الحرف المحذوف يدلّ عليه معنى الكلام، وإمّا عطف على معنى ﴿ لنسلم ﴾ لأنَّه وقع في موقع بأن نسلم، كما تقدّم عن الزجّاج.
فالتقدير : أمرنا بأن نسلم، ثم عطف عليه ﴿ وأن أقيموا ﴾ أي وأمرنا بأن أقيموا، والعطف على معنى اللفظ وموقِعه استعمال عربي، كقوله تعالى :﴿ لولا أخَّرْتَنِي إلى أجل قريب فأصّدّقَ وأكُنْ ﴾ [ المنافقون : ١٠ ] إذ المعنى إنْ تُؤخّرني أصّدّقْ وأكُنْ.
وإن جُعلت ( أنْ ) فيه تفسيرية فهو من عطف الجمل.