فصل
قال الفخر :
اعلم أنه سبحانه كثيراً يحتج على مشركي العرب بأحوال إبراهيم عليه السلام وذلك لأنه يعترف بفضله جميع الطوائف والملل فالمشركون كانوا معترفين بفضله مقرين بأنهم من أولاده واليهود والنصارى والمسلمون كلهم معظمون له معترفون بجلالة قدره.
فلا جرم ذكر الله حكاية حاله في معرض الاحتجاج على المشركين.
واعلم أن هذا المنصب العظيم وهو اعتراف أكثر أهل العلم بفضله وعلو مرتبته لم يتفق لأحد كما اتفق للخليل عليه السلام، والسبب فيه أنه حصل بين الرب وبين العبد معاهدة.
كما قال :﴿أَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] فإبراهيم وفى بعهد العبودية، والله تعالى شهد بذلك على سبيل الإجمال تارة وعلى سبيل التفصيل أخرى.
أما الإجمال ففي آيتين إحداهما قوله :﴿وَإِذِ ابتلى إبراهيم رَبُّهُ بكلمات فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [ البقرة : ١٢٤ ] وهذا شهادة من الله تعالى بأنه تمم عهد العبودية.
والثانية قوله تعالى :﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ العالمين﴾ [ البقرة : ١٣١ ] وأما التفصيل : فهو أنه عليه السلام ناظر في إثبات التوحيد وإبطال القول بالشركاء والأنداد في مقامات كثيرة.
فالمقام الأول : في هذا الباب مناظراته مع أبيه حيث قال له :﴿ياأبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً﴾ [ مريم : ٤٢ ].
والمقام الثاني : مناظرته مع قومه وهو قوله :﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الليل﴾ [ الأنعام : ٧٦ ].
والمقام الثالث : مناظرته مع ملك زمانه، فقال :﴿رَبّىَ الذى يُحْىِ وَيُمِيتُ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ].