فعرف إبراهيم عليه السلام جهلهما بربهما فنظر من باب ذلك الغار ليرى شيئاً يستدل به على وجود الرب سبحانه فرأى النجم الذي هو أضوأ النجوم في السماء.
فقال : هذا ربي إلى آخر القصة.
ثم القائلون بهذا القول اختلفوا، فمنهم من قال : إن هذا كان بعد البلوغ وجريان قلم التكليف عليه، ومنهم من قال : إن هذا كان قبل البلوغ.
واتفق أكثر المحققين على فساد القول الأول واحتجوا عليه بوجوه :
الحجة الأولى : أن القول بربوبية النجم كفر بالإجماع والكفر غير جائز بالإجماع على الأنبياء.
الحجة الثانية : أن إبراهيم عليه السلام كان قد عرف ربه قبل هذه الواقعة بالدليل.
والدليل على صحة ما ذكرناه أنه تعالى أخبر عنه أنه قال قبل هذه الواقعة لأبيه آزر :﴿أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً ءالِهَةً إِنّى أراك وقومك في ظلال مبين﴾ [ الأنعام : ٧٤ ].
الحجة الثالثة : أنه تعالى حكى عنه أنه دعا أباه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالرفق حيث قال :﴿ياأبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً﴾ [ مريم : ٤٢ ] وحكى في هذا الموضع أنه دعا أباه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالكلام الخشن واللفظ الموحش.
ومن المعلوم أن من دعا غيره إلى الله تعالى فإنه يقدم الرفق على العنف واللين على الغلظ ولا يخوض في التعنيف والتغليظ إلا بعد المدة المديدة واليأس التام.
فدل هذا على أن هذه الواقعة إنما وقعت بعد أن دعا أباه إلى التوحيد مراراً وأطواراً، ولا شك أنه إنما اشتغل بدعوة أبيه بعد فراغه من مهم نفسه.
فثبت أن هذه الواقعة إنما وقعت بعد أن عرف الله بمدة.
الحجة الرابعة : أن هذه الواقعة إنما وقعت بعد أن أراه الله ملكوت السموات والأرض حتى رأى من فوق العرش والكرسي وما تحتهما إلى ما تحت الثرى، ومن كان منصبه في الدين كذلك، وعلمه بالله كذلك، كيف يليق به أن يعتقد إلهية الكواكب ؟