فأما قوله :﴿ لئن لم يهدني ربي ﴾ فما زال الأنبياء يسألون الهدى، ويتضرعون في دفع الضلال عنهم، كقوله :﴿ واجنبني وبَنيَّ أن نعبد الأصنام ﴾ [ إبراهيم : ٣٥ ] ولأنه قد آتاه رشده من قبل، وأراه ملكوت السموات والأرض ليكون موقناً، فكيف لا يعصمه عن مثل هذا التحيير؟!
والثاني : أنه قال ذلك استدراجاً للحجة، ليعيب آلهتهم ويريهم بغضها عند أفولها، ولا بد أن يضمر في نفسه : إما على زعمكم، أو فيما تظنون، فيكون كقوله :﴿ اين شركائي ﴾، وإما أن يضمر : يقولون، فيكون كقوله :﴿ ربنا تقبل منا ﴾ [ البقرة : ١٢٧ ] أي : يقولان ذلك، ذكر نحو هذا أبو بكر بن الأنباري، ويكون مراده : استدراج الحجة عليهم، كما نقل عن بعض الحكماء أنه نزل بقوم يعبدون صنما، فأظهر تعظيمه، فأكرموه، وصدروا عن رأيه، فدهمهم عدو، فشاورهم ملِكهم، فقال : ندعو إلهنا ليكشف ما بنا، فاجتمعوا يدعونه، فلم ينفع، فقال : هاهنا إله ندعوه، فيستجيب، فدعَوُا الله، فصرف عنهم ما يحذرون، وأسلموا.
والثالث : أنه قال مستفهما، تقديره : أهذا ربي؟ فأضمرت ألف الاستفهام، كقوله :﴿ أفان مت، فهم الخالدون ﴾ [ الأنبياء : ٣٤ ] ؟ أي : أفَهُمُ الخالدون؟ قال الشاعر :
كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأيْتَ بِوَاسِطٍ...
غَلَسَ الظَّلام مِنَ الرَّبَابِ خَيَالاَ
أراد : أكذبتك؟ قال ابن الأنباري : وهذا القول شاذ، لأن حرف الاستفهام لا يضمر إذ كان فارقاً بين الإخبار والاستخبار ؛ وظاهر قوله :﴿ هذا ربي ﴾ أنه إشارة إلى الصانع.
وقال الزجاج : كانوا أصحاب نجوم، فقال : هذا ربي، أي : هذا الذي يدبرني، فاحتج عليهم أن هذا الذي تزعمون أنه مدبر، لا نرى فيه إلا أثر مدَّبر. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٢ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الليل ﴾ أي ستره بظلمته، ومنه الجَنّة والجِنّة والجُنّة والجَنين والمِجَنّ والجِنّ كلُّه بمعنى السّتر.


الصفحة التالية
Icon