وقد انتصب ﴿ يوم ينفخ ﴾ على الظرفية، والعامل فيه للاستقرار الذي في قوله ﴿ وله الملك ﴾.
ويجوز أن يجعل بدلاً من ﴿ يومَ يقول كُن فيكون ﴾.
ويجعل ﴿ وله الملك ﴾ عطفاً على ﴿ قوله الحقّ ﴾ على أنّ الجميع جملة واحدة.
وعن ابن عبّاس : الصور هنا جمع صُورة، أي ينفخ في صُوَر الموجودات.
ولما انتهى المقصود من الإخبار عن شؤون من شأن الله تعالى أتبع بصفات تشير إلى المحاسبة على كلّ جليل ودقيق ظاهر وباطن بقوله :﴿ عالم الغيب والشهادة ﴾.
وجاء أسلوب الكلام على طريقة حذف المخبَر عنه في مقام تَقَدُّم صفاته.
فحذْف المسند إليه في مثله تبع لطريقة الاستعمال في تعقيب الأخبار بخبر أعظم منها يجعل فيه المخبر عنه مسنداً إليه ويلتزم حذفه.
وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى :﴿ مقامُ إبراهيم ﴾ في سورة [ آل عمران : ٩٧ ]، فلذلك قال هنا عالم الغيب } فحذف المسند إليه ثم لم يحذف المسند إليه في قوله :﴿ وهو الحَكِيم الخبير ﴾.
والغيب : ما هو غائب.
وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى :﴿ الذين يؤمنون بالغيب ﴾ في سورة [ البقرة : ٣ ]، وعند قوله ﴿ وعنده مفاتح الغيب ﴾ في هذه السورة [ ٥٩ ].
والشهادة : ضدّ الغيب، وهي الأمور التي يشاهدها الناس ويتوصّلون إلى علمها يقال : شَهِد، بمعنى حضر، وضدّه غَاب، ولا تخرج الموجودات عن الاتّصاف بهذين الوصفين، فكأنَّه قيل : العالم بأحوال جميع الموجودات.
والتعريف في الغيب والشهادة } للاستغراق، أي عالم كلّ غيب وكلّ شهادة.
وقوله :﴿ وهو الحكيم الخبير ﴾ عطف على قوله :﴿ عالم الغيب ﴾.
وصفة ﴿ الحكيم ﴾ تجمع إتقان الصنع فتدلّ على عظم القدرة مع تعلّق العلم بالمصنوعات.
وصفة ﴿ الخبير ﴾ تجمع العلم بالمعلومات ظاهرها وخفيّها.
فكانت الصفتان كالفذلكة لقوله :﴿ وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحقّ ﴾ ولقوله ﴿ عالم الغيب والشهادة ﴾. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon