عليه الأبصار، وتحقق ذلك بالدليل القاطع، تبرأ من عبادتهن وموالاتهن، وأخبر بأنه يعبد خالقهن ومسخرهن.
ثم قال ابن كثير : وكيف يجوز أن يكون ناظراً في هذا المقام، وهو الذي قال الله في حقه :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٥١ - ٥٢ ]. وقال تعالى :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [ النحل : ١٢٠ - ١٢١ ].
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال :< كل مولود يولد على الفطرة >.
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار أن رسول الله ﷺ قال :< قال الله تعالى : إني خلقت عبادي حنفاء >. وقال تعالى :﴿ فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ﴾ وقال تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ]. ومعناه، على أحد القولين، كقوله :﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة، فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله :﴿ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ ناظراً في هذا المقام ؟ بل هو أولى الناس بالفطرة السليمة، والسجية المستقيمة، بعد رسول الله ﷺ، بلا شك ولا ريب.
ومما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظراً لقومه فيما كانوا فيه من الشرك، لا ناظراً، قوله تعالى :﴿ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ ﴾ الآية الآتية. انتهى.