واستدلوا بالآية على أن صاحب الكبيرة لا أمن له ولا نجاة من العذاب حيث دلت بتقديم لهم الآتي على اختصاص الأمن بمن لم يخلط إيمانه بظلم أي بفسق وادعوا أن تفسيره بالشرك يأباه ذكر اللبس أي الخلط إذ هو لا يجامع الإيمان للضدية وإنما يجامع المعاصي، والحديث خبر واحد فلا يعمل به في مقابلة الدليل القطعي، والقول بأن الفسق أيضاً لا يجامع الإيمان عندهم أيضاً فلا يتم لهم الاستدلال لكونه اسماً لفعل الطاعات واجتناب السيئآت حتى أن الفاسق ليس بمؤمن كما أنه ليس بكافر مدفوع كما قيل بأنه كثيراً ما يطلق الإيمان على نفس التصديق بل لا يكاد يفهم منه بلفظ الفعل غير هذا حتى أنه يعطف عليه عمل الصالحات كما جاء في غير ما آية.
وأجيب بأنه أريد بالإيمان تصديق القلب وهو قد يجامع الشرك كأن يصدق بوجود الصانع دون وحدانيته كما أشرنا إليه آنفاً، ومن ذلك قوله تعالى :﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ ﴾ [ يوسف : ١٠٦ ].
وكذا إذا أريد به مطلق التصديق سواء كان باللسان أو غيره بل المجامعة على هذا أظهر كما في المنافق ولو أريد به التصديق بجميع ما يجب التصديق به بحيث يخرج عن الكفر يقال : إنه لا يلزم من لبس الإيمان بالشرك الجمع بينهما بحيث يصدق عليه أنه مؤمن ومشرك بل تغطيته بالكفر وجعله مغلوباً مضمحلاً أو اتصافه بالإيمان ثم الكفر ثم الإيمان ثم الكفر مراراً، وبعد تسليم جميع ما ذكر نقول :
إن قوله تعالى :﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمن ﴾ إنما يدل على اختصاص الأمن بغير العصاة وهو لا يوجب كون العصاة معذبين ألبتة بل خائفين ذلك موقعين للاحتمال ورجحان جانب الوقوع.