وقال الآلوسى :
﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ﴾ أي خاصموه كما قال الربيع أو شرعوا في مغالبته في أمر التوحيد تارة بإيراد أدلة فاسدة واقعة في حضيض التقليد وأخرى بالتخويف والتهديد ﴿ قَالَ ﴾ منكراً عليهم محاجتهم له عليه السلام مع قصورهم عن تلك المرتبة وعزة المطلب وقوة الخصم ووضوح الحق ﴿ أَتُحَاجُّونّى فِى الله ﴾ أي في شأنه تعالى ووحدانيته سبحانه.
وقرأ نافع وابن عامر في رواية ابن ذكوان بتخفيف النون ففيه حذف إحدى النونين.
واختلف في أيهما المحذوفة فقيل : نون الرفع وهو مذهب سيبويه ورجح بأن الحاجة دعت إلى نون مكسورة من أجل الياء ونون الرفع لا تكسر.
وبأنه جاء حذفها كما في قوله
: كل له نية في بغض صاحبه...
بنعمة الله نقليكم وتقولنا
أراذ تقلوننا والنون الثانية هنا ليست وقاية بل هي من الضمير وحذف بعض الضمير لا يجوز وبأنها نائبة عن الضمة وهي قد تحذف تخفيفاً كما في قراءة أبي عمرو ( ينصركم ) و( يشعركم ) ( ويأمركم ).
وقيل نون الوقاية وهو مذهب الأخفش، ورجح بأنها الزائدة التي حصل بها الثقل.
وقوله تعالى :﴿ وَقَدْ هَدَان ﴾ في موضع الحال من ضمير المتكلم مؤكدة للإنكار فإن كونه عليه الصلاة والسلام مهدياً من جهة الله تعالى ومؤيداً من عنده سبحانه مما يوجب الكف عن محاجته ﷺ وعدم المبالاة بها والالتفات إليها إذا وقعت.
قيل : والمراد وقد هدان إلى إقامة الدليل عليكم بوحدانيته عز شأنه، وقيل : هدان إلى الحق بعد ما سلكت طريقتكم بالفرض والتقدير وتبين بطلانها تبييناً تاماً كما شاهدتموه، وعلى القولين لا يقتضي سبق ضلال له عليه الصلاة والسلام وجهل بمعرفة ربه جل وعلا و﴿ هدان ﴾ يرسم كما قال الأجهوري بلا ياء.
﴿ هَدَانِى وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ﴾ جواب كما روى عن ابن جريج عما خوفوه عليه السلام من إصابة مكروه من جهة معبودهم الباطل كما قال لهود عليه السلام قومه ﴿ إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء ﴾ [ هود : ٥٤ ] وهذا التخويف قيل : كان على ترك عبادة ما يعبدونه، وقيل : بل على الاستخفاف به واحتقاره بنحو الكسر والتنقيص.
قيل : ولعل ذلك حين فعل بآلهتهم ما فعل مما قص الله تعالى علينا، وفي بعض الآثار أنه عليه السلام لما شب وكبر جعل آزر يصنع الأصنام فيعطيها له ليبيعها فيذهب وينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه فلا يشتريها أحد فإذا بارت ذهب بها إلى نهر وضرب فيه رؤوسها وقال لها اشربي استهزاء بقومه حتى فشا فيهم استهزاؤه فجادلوه حينئذ وخوفوه.