﴿ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ﴾ أي أتعرضون بعدما أوضحته لكم عن التأمل في أن آلهتكم بمعزل عن القدرة على شيء ما من النفع أو الضر فلا تتذكرون أنها غير قادرة على إضراري.
وفي إيراد التذكر دون التفكر ونحوه إشارة إلى أن أمر آلهتكم مركوز في العقول لا يتوقف إلا على التذكير. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
لمّا أعلن إبراهيم عليه السلام معتَقَده لقومه أخذوا في محاجّته، فجملة ﴿ وحاجَّة ﴾ عطف على جملة ﴿ إنِّي وجَّهْتُ وجهِي للذي فطر السماوات والأرض ﴾ [ الأنعام : ٧٩ ].
وعطفت الجملة بالواو دون الفاء لتكون مستقلَّة بالإخبار بمضمونها مع أنّ تفرّع مضمونها على ما قبلها معلوم من سياق الكلام.
والمحاجَّة مفاعلة متصرّفة من الحُجَّة، وهي الدّليل المؤيّد للدعوى.
ولا يعرف لهذه المفاعلة فعْل مجرّد بمعنى استدلّ بحجّة، وإنَّما المعروف فِعْل حَجّ إذا غَلب في الحُجَّة، فإن كانت احتجاجاً من الجانبين فهي حقيقة وهو الأصل، وإن كانت من جانب واحد باعتبار أنّ محاول الغَلَب في الحجَّة لا بدّ أن يتلقَّى من خصمه ما يرُدّ احتجاجه فتحصل المحاولة من الجانبين، فبذلك الاعتبار أطلق على الاحتجاج محاجَّة، أو المفاعلة فيه للمبالغة.
والأوْلى حملها هنا على الحقيقة بأن يكون المعنى حصول محاجَّة بينهم وبين إبراهيم.
وذكر الشيخ ابن عرفة في درس تفسيره : أنّ صيغة المفاعلة تقتضي أنّ المجعول فيها فاعلاً هو البادىء بالمحاجَّة، وأنّ بعض العلماء استشكل قوله تعالى في سورة [ البقرة : ٢٥٨ ] ﴿ ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيمَ في ربِّه ﴾ حيث قال :﴿ إذ قال إبراهيم ربّي الذي يحيي ويميت ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ].
فبدأ بكلام إبراهيم وهو مفعول الفعل وأجاب بأنّ إبراهيم بدأ بالمقاولة ونمروذ بدأ المحاجَّة.
ولم يذكر أئمَّة اللّغة هذا القيد في استعمال صيغة المفاعلة.


الصفحة التالية
Icon