ويجوز أن يكون المراد هنا أنَّهم سلكوا معه طريق الحجَّة على صحَّة دينهم أو على إبطال معتقده وهو يسمع، فجعل سماعه كلامهم بمنزلة جواب منه فأطلق على ذلك كلمة المحاجَّة.
وأبهم احتجاجهم هنا إذ لا يتعلَّق به غرض لأنّ الغرض هو الاعتبار بثبات إبراهيم على الحقّ.
وحذف متعلّق ﴿ حاجّة ﴾ لدلالة المقام، ودلالة ما بعده عليه من قوله :﴿ أتحاجّوني في الله ﴾ الآيات.
وقد ذكرت حججهم في مواضع في القرآن، منها قوله في سورة [ الأنبياء : ٥٢ ٥٦ ] ﴿ إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين إلى قوله وأنا على ذلكم من الشاهدين ﴾، وقوله في سورة [ الشعراء : ٧٢، ٧٣ ] ﴿ قال هل يَسْمعونكم إذْ تدعون أو ينفعونكم أو يضُرّون الآيات ﴾ وفي سورة [ الصافات : ٨٥ ٩٨ ] ﴿ إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون إلى قوله فجعلناهم الأسفلين ﴾ وكلّها محاجَّة حقيقيّة، ويدخل في المحاجّة ما ليس بحجَّة ولكنَّه ممّا يرونه حججاً بأن خوّفُوه غضب آلهتهم، كما يدلّ عليه قوله : ولا أخاف ما تشركون به } الآية.
والتقدير : وحاجّه قومه فقالوا : كيت وكيت.
وجملة ﴿ قال أتحاجّوني في الله ﴾ جوابُ محاجَّتهم، ولذلك فصلت، على طريقة المحاورات كما قدّمناه في قوله تعالى :﴿ وإذ قال ربّك للملائكة إنِّي جاعل في الأرض خليفة ﴾ في سورة [ البقرة : ٣٠ ]، فإن كانت المحاجَّة على حقيقة المفاعلة فقوله أتحاجّوني } غلق لباب المجادلة وخَتْم لها، وإن كانت المحاجّة مستعملة في الاحتجاج فقوله :﴿ أتحاجّوني ﴾ جواب لمحاجّتهم، فيكون كقوله تعالى: ﴿ فإن حاجّوك فقل أسلمتُ وجهي لله ﴾ [ آل عمران : ٢٠ ].
والاستفهام إنكار عليهم وتأييس من رجوعه إلى معتقدهم.


الصفحة التالية