وقال الآلوسى :
وقوله عز شأنه :﴿ نَرْفَعُ درجات ﴾ أي رتباً عظيمة عالية من العلم والحكمة مستأنف لا محل له من الإعراب مقرر لما قبله، وجوز أبو البقاء أن يكون في محل نصب على أنه حال من فاعل ﴿ ءاتَيْنَا ﴾ أي حال كوننا رافعين، ونصب ﴿ درجات ﴾ إما على المصدرية بتأويل رفعات أو على الظرفية أو على نزع الخافض أي إلى درجات أو على التمييز ومفعول ﴿ نَرْفَعُ ﴾ قوله تعالى :﴿ مَّن نَّشَاء ﴾ وتأخيره على الأوجه الثلاثة الأخيرة لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، ومفعول المشيئة محذوف أي من نشاء رفعه حسبما تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة، وإيثار صيغة المضارع للدلالة على أن ذلك سنة مستمرة فيما بين المصطفين الأخيار غير مختصة بإبراهيم عليه السلام.
وقرىء ﴿ يَرْفَعُ ﴾ بالياء على طريقة الالتفات وكذا ﴿ نَشَاء ﴾ وقرأ غير واحد من السبعة ﴿ درجات مَّن ﴾ بالإضافة على أنه مفعول ﴿ نَرْفَعُ ﴾ ورفع درجات الإنسان رفع له، وجوز بعضهم جعله مفعولاً أيضاً على قراءة التنوين وجعل من بتقدير لمن وهو بعيد.
وقوله سبحانه :﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ ﴾ أي في كل ما يفعل من رفع وخفض ﴿ عَلِيمٌ ﴾ أي بحال من يرفعه واستعداده له على مراتب متفاوتة، وإن شئت عممت ويدخل حينئذ ما ذكر دخولاً أولياً تعليل لما قبله، وفي وضع الرب مضافاً إلى ضميره عليه الصلاة والسلام موضع نون العظمة بطريق الالتفات في تضاعيف بيان حال إبراهيم عليه السلام ما لا يخفى من إظهار مزيد اللطف والعناية به صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon