ولما كانت محاجته لهم على قانون الحكمة بالعالم العلوي الذي نسبوا الخلق والتدبير بالنور والظلمة إليه، وكان في ختام محاجته لهم أن الجاري على قانون الحكمة أن الملك الحق لا يهين جنده فلا خوف عليهم، وكان قبل ذلك في الاستدلال على البعث الذي هو محط الحكمة ؛ كان الأنسب أن يقدم في ختم الآية وصف الحكمة فقال :﴿إن ربك﴾ أي خاصاً لنبيه ﷺ بالمخاطبة باسم الإحسان تنبيهاً على أن حَجبَه الدليل عمن يشاء لِحِكَم أرادها سبحانه، ففيه تسلية له ﷺ ﴿حكيم﴾ أي فلا يفعل بحزبه إلاّ ما ظنه به خليله ﷺ مما يقر أعينهم، إما في الدنيا وإما في الآخرة وإما فيهما ﴿عليم﴾ فلا يلتبس عليه أحد من غيرهم، فيفعل به ما يحل بالحكمة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٦٤﴾

فصل


قال الفخر :
قوله :﴿وَتِلْكَ﴾ إشارة إلى كلام تقدم وفيه وجوه :
الأول : أنه إشارة إلى قوله :﴿لا أُحِبُّ الأفلين﴾
والثاني : أنه إشارة إلى أن القوم قالوا له : أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لأجل أنك شتمتهم.
فقال لهم : أفلا تخافون أنتم حيث أقدمتهم على الشرك بالله وسويتم في العبادة بين خالق العالم ومدبره وبين الخشب المنحوت والصنم المعمول ؟
والثالث : أن المراد هو الكل.
إذا عرفت هذا فنقول : قوله :﴿وَتِلْكَ﴾ مبتدأ وقوله :﴿حُجَّتُنَا﴾ خبره وقوله :﴿ءاتيناها إبراهيم﴾ صفة لذلك الخبر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٥٠ ـ ٥١﴾

فصل


قال الفخر :
قوله :﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتيناها إبراهيم﴾ يدل على أن تلك الحجة إنما حصلت في عقل إبراهيم عليه السلام بإيتاء الله وبإظهاره تلك الحجة في عقله، وذلك يدل على أن الإيمان والكفر لا يحصلان إلا بخلق الله تعالى.
ويتأكد هذا أيضاً بقوله :﴿نَرْفَعُ درجات مَّن نَّشَاء﴾ فإن المراد أنه تعالى رفع درجات إبراهيم بسبب أنه تعالى آتاه تلك الحجة، ولو كان حصول العلم بتلك الحجة إنما كان من قبل إبراهيم لا من قبل الله تعالى لكان إبراهيم عليه السلام هو الذي رفع درجات نفسه وحينئذ كان قوله :﴿نَرْفَعُ درجات مَّن نَّشَاء﴾ باطلاً.
فثبت أن هذا صريح قولنا في مسألة الهدى والضلال. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٥١﴾


الصفحة التالية
Icon