وقال أبو السعود :
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ ﴾ عطفٌ على قوله ( تعالى ) :﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ﴾ الخ، فإن عطفَ كلَ من الجملة الفعلية والاسميةِ على الأخرى مما لا نزاعَ في جوازه ولا مَساغ لعطفه على ( آتيناها )، لأن له محلاً من الإعراب نصْباً ورفعاً حسبما بُيِّن من قبلُ، فلو عُطف هذا عليه لكان في حُكمه من الحالية والخبرية المستدعيتين للرابط ولا سبيلَ إليه هاهنا ﴿ كَلاَّ ﴾ مفعولٌ لِمَا بعده، وتقديمُه عليه للقصر، لكن لا بالنسبة إلى غيرهما مطلقاً، بل بالنسبة إلى أحدهما أي كلُّ واحدٍ منهما ﴿ هَدَيْنَا ﴾ لا أحدَهما دون الآخَر، وتركُ ذكر المهدى إليه لظهور أنه الذي أوتيَ إبراهيمُ وأنهما مقتدِيان به ﴿ وَنُوحاً ﴾ منصوبٌ بمضمر يفسِّره ﴿ هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ﴾ أي من قبلِ إبراهيمَ عليه السلام، عَدَّ هُداه نعمةً على إبراهيمَ عليه السلام لأن شرفَ الوالدِ سارٍ إلى الولد ﴿ وَمِن ذُرّيَّتِهِ ﴾ الضمير لإبراهيمَ، لأن مَساقَ النظمِ الكريم لبيانِ شؤونه العظيمةِ من إيتاءِ الحجةِ ورفعِ الدرجاتِ وهبةِ الأولادِ الأنبياءِ وإبقاءِ هذه الكرامةِ في نسله إلى يوم القيامة، كلُّ ذلك لإلزام مَنْ ينتمي إلى ملتِه عليه السلامُ من المشركين واليهود، وقيل : لنوحٍ، لأنه أقربُ، ولأن يونُسَ ولوطاً ليسا من ذرِّية إبراهيمَ، فلو كان الضميرُ له لاختصَّ بالمعدودين في هذه الآية والتي بعدها، وأما المذكورون في الآية الثالثةِ فعطفٌ على ( نوحاً ) وروي عن ابن عباس أن هؤلاءِ الأنبياءَ كلَّهم مُضافون إلى ذرِّية إبراهيمَ وإن كان منهم من لم يلْحَقه بولادةٍ من قِبَلِ أمَ ولا أب، لأن لوطاً ابنُ أخي إبراهيم، والعربُ تجعل العمَّ أباً، كما أخبر الله تعالى عن أبناءِ يعقوبَ أنهم قالوا :﴿ نَعْبُدُ إلهك وإله آبَائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ﴾ مع أن إسماعيل عمُّ يعقوب.