فصل
قال الفخر :
مذهب كثير من المحققين أن عقول الخلق لا تصل إلى كنه معرفة الله تعالى ألبتة، ثم إن الكثير من أهل هذا المذهب يحتجون على صحته بقوله تعالى :﴿وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ﴾ أي وما عرفوا الله حق معرفته، وهذا الاستدلال بعيد، لأنه تعالى ذكر هذه اللفظة في القرآن في ثلاثة مواضع، وكلها وردت في حق الكفار فههنا ورد في حق اليهود أو كفار مكة، وكذا القول في الموضعين الآخرين، وحينئذ لا يبقى في هذا الاستدلال فائدة. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٦٣﴾
فصل
قال الفخر :
في هذه الآية أحكام.
الحكم الأول
أن النكرة في موضع النفي تفيد العموم، والدليل عليه هذه الآية فإن قوله :﴿مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَىْء﴾ نكرة في موضع النفي، فلو لم تفد العموم لما كان قوله تعالى :﴿قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى﴾ إبطالاً له، ونقضاً عليه، ولو لم يكن كذلك لفسد هذا الاستدلال، ولما كان ذلك باطلاً، ثبت أن النكرة في موضع النفي تعم. والله أعلم.
الحكم الثاني
النقض يقدح في صحة الكلام، وذلك لأنه تعالى نقض قولهم :﴿مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَىْء﴾ بقوله :﴿قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى﴾ فلو لم يدل النقض على فساد الكلام لما كانت حجة الله مفيدة لهذا المطلوب.
واعلم أن قول من يقول : إبداء الفارق بين الصورتين يمنع من كون النقص مبطلاً ضعيف، إذ لو كان الأمر كذلك لسقطت حجة الله في هذه الآية لأن اليهودي كان يقول معجزات موسى أظهر، وأبهر من معجزاتك، فلم يلزم من إثبات النبوة هناك إثباتها هنا، ولو كان الفرق مقبولاً لسقطت هذه الحجة، وحيث لا يجوز القول بسقوطها علمنا أن النقض على الإطلاق مبطل والله أعلم.