الحكم الثالث
تفلسف الغزالي فزعم أن هذه الآية مبنية على الشكل الثاني من الأشكال المنطقية، وذلك لأن حاصله يرجع إلى أن موسى أنزل الله تعالى عليه شيئاً وأحد من البشر ما أنزل الله عليه شيئاً ينتج من الشكل الثاني : أن موسى ما كان من البشر، وهذا خلف محال، وليست هذه الاستحالة بحسب شكل القياس، ولا بحسب صحة المقدمة الأولى، فلم يبق إلا أنه لزم من فرض صحة المقدمة الثانية، وهي قولهم : ما أنزل الله على بشر من شيء، فوجب القول بكونها كاذبة، فثبت أن دلالة هذه الآية على المطلوب، إنما تصح عند الاعتراف بصحة الشكل الثاني من الأشكال المنطقية، وعند الاعتراف بصحة قياس الخلف. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٦٣ ـ ٦٤﴾
قوله تعالى ﴿ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما قال :﴿قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى﴾ وصف بعده كتاب موسى بالصفات.
فالصفة الأولى : كونه نوراً وهدى للناس.
واعلم أنه تعالى سماه نوراً تشبيهاً له بالنور الذي به يبين الطريق.
فإن قالوا : فعلى هذا التفسير لا يبقى بين كونه نوراً وبين كونه هدى للناس فرق، وعطف أحدهما على الآخر يوجب التغاير.
قلنا : النور له صفتان : إحداهما : كونه في نفسه ظاهراً جلياً، والثانية : كونه بحيث يكون سبباً لظهور غيره، فالمراد من كونه نوراً وهدى هذان الأمران.
واعلم أنه تعالى وصف القرآن أيضاً بهذين الوصفين في آية أخرى، فقال :﴿ولكن جعلناه نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٦٤﴾


الصفحة التالية
Icon