فصل
قال الفخر :
قرأ أبو عمرو وابن كثير ﴿يجعلونه﴾ على لفظ الغيبة، وكذلك يبدونها ويخفون لأجل أنهم غائبون ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَىْء﴾ فلما وردت هذه الألفاظ على لفظ المغايبة، فكذلك القول في البواقي، ومن قرأ بالتاء على الخطاب، فالتقدير : قل لهم تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً، والدليل عليه قوله تعالى :﴿وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ﴾ فجاء على الخطاب، فكذلك ماقبله. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٦٤﴾
فصل
قال الفخر :
قال أبو علي الفارسي : قوله :﴿تَجْعَلُونَهُ قراطيس﴾ أي يجعلونه ذات قراطيس.
أي يودعونه إياها.
فإن قيل : إن كل كتاب فلا بد وأن يودع في القراطيس، فإذا كان الأمر كذلك في كل الكتب، فما السبب، في أن حكى الله تعالى هذا المعنى في معرض الذم لهم.
قلنا : الذم لم يقع على هذا المعنى فقط، بل المراد أنهم لما جعلوه قراطيس، وفرقوه وبعضوه، لا جرم قدروا على إبداء البعض، وإخفاء البعض، وهو الذي فيه صفة محمد عليه الصلاة والسلام.
فإن قيل : كيف يقدرون على ذلك مع أن التوراة كتاب وصل إلى أهل المشرق والمغرب، وعرفه أكثر أهل العلم وحفظوه، ومثل هذا الكتاب لا يمكن إدخال الزيادة والنقصان فيه، والدليل عليه أن الرجل في هذا الزمان لو أراد إدخال الزيادة والنقصان في القرآن لم يقدر عليه، فكذا القول في التوراة.
قلنا : قد ذكرنا في سورة البقرة أن المراد من التحريف تفسير آيات التوراة بالوجوه الباطلة الفاسدة كما يفعله المبطلون في زماننا هذا بآيات القرآن.
فإن قيل : هب أنه حصل في التوراة آيات دالة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام.
إلا أنها قليلة، والقوم ما كانوا يخفون من التوراة إلا تلك الآيات، فلم قال : ويخفون كثيراً.