لا شبهة في أن قوله :﴿أُوْلَئِكَ الذين هَدَى الله﴾ هم الذين تقدم ذكرهم من الأنبياء، ولا شك في أن قوله :﴿فَبِهُدَاهُمُ اقتده﴾ أمر لمحمد عليه الصلاة والسلام، وإنما الكلام في تعيين الشيء الذي أمر الله محمداً أن يقتدي فيه بهم، فمن الناس من قال : المراد أنه يقتدي بهم في الأمر الذي أجمعوا عليه، وهو القول بالتوحيد والتنزيه عن كل ما لا يليق به في الذات والصفات والأفعال وسائر العقليات، وقال آخرون : المراد الاقتداء بهم في جميع الأخلاق الحميدة والصفات الرفيعة الكاملة من الصبر على أذى السفهاء والعفو عنهم، وقال آخرون : المراد الاقتداء بهم في شرائعهم إلا ما خصه الدليل، وبهذا التقدير كانت هذه الآية دليلاً على أن شرع من قبلنا يلزمنا، وقال آخرون : إنه تعالى إنما ذكر الأنبياء في الآية المتقدمة ليبين أنهم كانوا محترزين عن الشرك مجاهدين بإبطاله بدليل أنه ختم الآية بقوله :﴿وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [ الأنعام : ٨٨ ] ثم أكد إصرارهم على التوحيد وإنكارهم للشرك بقوله :﴿فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بكافرين ﴾.
ثم قال في هذه الآية :﴿أُوْلَئِكَ الذين هَدَى الله﴾ أي هداهم إلى إبطال الشرك وإثبات التوحيد ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقتده﴾ أي اقتد بهم في نفي الشرك وإثبات التوحيد وتحمل سفاهات الجهال في هذا الباب.
وقال آخرون : اللفظ مطلق فهو محمول على الكل إلا ما خصه الدليل المنفصل.
قال القاضي : يبعد حمل هذه الآية على أمر الرسول بمتابعة الأنبياء عليهم السلام المتقدمين في شرائعهم لوجوه : أحدها : أن شرائعهم مختلفة متناقضة فلا يصح مع تناقضها أن يكون مأموراً بالاقتداء بهم في تلك الأحكام المتناقضة.
وثانيها : أن الهدى عبارة عن الدليل دون نفس العمل.


الصفحة التالية
Icon