ولما كان الجواب قطعاُ في كل منصف : لا أحد أظلم منه، بل هم أظلم الظالمين، كان كأنه قيل : فلو رأيتهم وقد حاق بهم جزاء هذا الظلم كرد وجوههم مسودة وهم يسحبون في السلاسل على وجوههم، وجهنم تكاد تتميز عليهم غيظاً، وهم قد هدّهم الندم والحسرة، وقطع بهم الأسف والحيرة لرأيت أمراً يهول منظره، فكيف يكون مذاقه ومخبره! فعطف عليه ما هو أقرب منه، فقال كالمفصل لإجمال ذلك التهديد مبرزاً بدل ضميرهم الوصف الذي أداهم إلى ذلك :﴿ولو ترى﴾ أي يكون منك رؤية فيما هو دون ذلك ﴿إذ الظالمون﴾ أي لأجل مطلق الظلم فكيف بما ذكر منه! واللام للجنس الداخل فيه هؤلاء دخولاً أولياً ﴿في غمرات الموت﴾ أي شدائده التي قد غمرتهم كما يغمر البحر الخضم من يغرق فيه، فهو يرفعه ويخفضه ويبتلعه ويلفظه، لا بد له منه ﴿والملائكة﴾ أي الذين طلبوا جهلاً منهم إنزال بعضهم على وجه الظهور لهم، وأخبرناهم أنهم لا ينزلون إلا لفصل الأمور وإنجاز المقدور ﴿باسطوا أيديهم﴾ أي إليهم بالمكروه لنزع أرواحهم وسلّها وافية من أشباحهم كما يسل السفود المشعب من الحديد من الصوف المشتبك المبلول، لا يعسر عليهم تمييزها من الجسد، ولا يخفى عليهم شيء منها في شيء منه، قائلين ترويعاً لهم وتصويراً للعنف والشدة في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال، وأنهم يفعلون بهم فعل الغريم المسلط الملازم ﴿أخرجوا أنفسكم﴾ فكأنهم قالوا : لماذا يا رسل ربنا؟ فقالوا :﴿اليوم﴾ أي هذه الساعة، وكأنهم عبروا به لتصوير طول العذاب ﴿تجزون عذاب الهون﴾ أي العذاب الجامع بين الإيلام العظيم والهوان الشديد والخزي المديد بالنزع وسكرات الموت وما بعده في البرزخ - إلى ما لا نهاية له ﴿بما كنتم تقولون﴾ أي تجددون القول دائماً ﴿على الله﴾ أي الذي له جميع العظمة ﴿غير الحق﴾ أي غير القول المتمكن غاية التمكن في درجات الثبات، ولو قال بدله : باطلاً، لم يؤد هذا المعنى، ولو قال