وتعقب بأنه لا يكون بأو، واستحسن أنه من عطف المغاير باعتبار العنوان وأو للتنويع يعني أنه تارة ادعى أن الله تعالى بعثه نبياً وأخرى أن الله تعالى أوحى إليه وإن كان يلزم النبوة في نفس الأمر الإيحاء ويلزم الإيحاء النبوة، ويفهم من صنيع بعضهم أن أو بمعنى الواو، وأما ابن أبي سرح فلم يدع صريحاً القدرة ولكن قد يقتضيها كلامه على ما يفهم من بعض الروايات، وفسر بعضهم الثاني بعبد الله ودعواه ذلك على سبيل الترديد، فقد روي أن عبد الله بن سعد كان قد تكلم بالإسلام فدعاه رسول الله ﷺ ذات يوم فكتب له شيئاً فلما نزلت الآية في المؤمنين ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مّن طِينٍ ﴾ [ المؤمنون : ١٢ ] أملاها عليه فلما انتهى إلى قوله سبحانه ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً ﴾ عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان فقال :﴿ تَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ] فقال رسول الله : هكذا أنزلت عليَّ فشك حينئذ وقال : لئن كان محمد صادقاً لقد أوحيَّ إليَّ ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال، وجعل الشق الثاني في معنى دعوى القدرة على المثل فيصح تفسير الثاني والثالث به لا يصح إلا إذا اعتبر عنوان الصلة في الأخير من باب المماشاة مثلاً كما لا يخفى.
واعتبر الإمام عموم افتراء الكذب على الله تعالى وجعل المعطوف عليه نوعاً من الأشياء التي وصفت بكونها افتراء ثم قال : والفرق بين هذا القول وما قبله أن في الأول : كان يدعي أنه أوحي إليه فيما يكذب به ولم ينكر نزول الوحي على النبي ﷺ وفي الثاني : أثبت الوحي لنفسه ونفاه عنه عليه الصلاة والسلام فكان جمعاً بين أمرين عظيمين من الكذب إثبات ما ليس بموجود ونفي ما هو موجود انتهى.