وقال الآلوسى :
﴿ وَلِتُنذِرَ أُمَّ القرى ﴾ قيل : عطف على ما دل عليه صفة الكتاب كأنه قيل : أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدمه والإنذار.
واختار العلامة الثاني كونه عطفاً على صريح الوصف أي كتاب مبارك وكائن للإنذار، وادعى أنه لاحاجة مع هذا إلى ذلك التكلف فإن عطف الظرف على المفرد في باب الخبر والصفة كثير، ودعوى أن الداعي إليه عرو تلك الصفات السابقة عن حرف العطف واقتران هذا به تستدعي القول بأن الصفات إذا تعددت ولم يعطف أولها يمتنع العطف أو يقبح والواقع خلافه، والأولى ما يقال : إن الداعي أن اللفظ والمعنى يقتضيانه، أما المعنى فلأن الإنذار علة لإنزاله كما يدل عليه ﴿ وأوحى الي هذا القرآن لأنذركم به ﴾ [ الأنعام : ١٩ ] ولو عطف لكان على أول الصفات على الراجح في العطف عند التعدد، ولا يحسن عطف التعليل على المعلل به ولا الجار والمجرور على الجملة الفعلية.
فإنه نظير هذا رجل قام عندي وليخدمني وهو كما ترى.
ومنه يعلم الداعي اللفظي وجوز أن يكون علة لمحذوف يقدر مؤخراً أو مقدماً أي ولتنذر أنزلناه أو وأنزلناه لتنذر، وتقديم الجار للاهتمام أو للحصر الإضافي، وأن يكون عطفاً على مقدر أي لتبشر ولتنذر، وأياً ما كان ففي الكلام مضاف محذوف أي أهل أم القرى، والمراد بها مكة المكرمة، وسميت بذلك لأنها قبلة أهل القرى وحجهم وهم يتجمعون عندها تجمع الأولاد عند الأم المشفقة ويعظمونها أيضاً تعظيم الأم، ونقل ذلك عن الزجاج والجبائي، ولأنها أعظم القرى شأناً فغيرها تبع لها كما يتبع الفرع الأصل.
وقيل لأن الأرض دحيت من تحتها فكأنها خرجت من تحتها كما تخرج الأولاد من تحت الأم أو لأنها مكان أول بيت وضع للناس.
ونقل ذلك عن السدي وقرأ أبو بكر عن عاصم ﴿ لّيُنذِرَ ﴾ بالياء التحتية على الإسناد المجازي للكتاب لأنه منذر به.