﴿ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ من أهل المدر والوبر في المشارق والمغارب لعموم بعثه ﷺ الصادع بها القرآن في غير آية، واللفظ لا يأبى هذا الحمل فلا متمسك بالآية لطائفة من اليهود زعموا أنه ﷺ مرسل للعرب خاصة، على أنه يمكن أن يقال : خص أولئك بالذكر لأنهم أحق بإنذاره عليه الصلاة والسلام كقوله تعالى :﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ] ولذا أنزل كتاب كل رسول بلسان قومه. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وأمّا جملة ﴿ ولتنذر أمّ القرى ﴾ فوجود واو العطف في أوّلها مانع من تعليق ﴿ لتنذر ﴾ بفعل ﴿ أنزلناه ﴾، ومِن جعْل المجرور خبراً عن ﴿ كتاب ﴾ خلافاً للتفتزاني، إذ الخبر إذا كان مجروراً لا يقترن بواو العطف ولا نظير لذاك في الاستعمال، فوجود لام التّعليل مع الواو مانع من جعلها خبراً آخر ل ﴿ كتاب ﴾، فلا محيص عند توجيه انتظامها مع ما قبلها من تقدير محذوف أو تأويل بعض ألفاظها، والوجه عندي أنّه معطوف على مقدّر ينبىء عنه السّياق.
والتّقدير : ليُؤمن أهل الكتاب بتصديقه ولتنذر المشركين.
ومثل هذا التّقدير يطّرد في نظائر هذه الآية بحسب ما يناسب أن يقدّر.
وهذا من أفانين الاستعمال الفصيح.
ونظيره قوله تعالى :﴿ هذا بلاغ للنّاس ولِينْذروا به وليعلموا أنّما هو إله واحد وليذّكّر أولوا الألباب ﴾ في سورة [ إبراهيم : ٥٢ ].
ووقع في الكشاف } أنّ ﴿ ولتنذر ﴾ معطوف على ما دلّت عليه صفة الكتاب، كأنّه قيل : أنزلناه للبركات وتصديقِ ما تقدّمَه والإنذارِ أ هـ.
وهذا وإن استتبّ في هذه الآية فهو لا يحسن في آية سورة إبراهيم، لأنّ لفظ "بلاغ" اسم ليس فيه ما يشعر بالتّعليل، و"للنّاس" متعلّق به واللاّم فيه للتّبليغ لا للتّعليل، فتعيّن تقدير شيء بعده نحو لينتبهوا أو لئلاّ يؤخذوا على غفلة وليُنْذَروا به.
والإنذار : الإخبار بما فيه توقّع ضرّ، وضدّه البشارة.