وقد تقدّم عند قوله تعالى :﴿ إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً ﴾ في سورة [ البقرة : ١١٩ ].
واقتُصر عليه لأنّ المقصود تخويف المشركين إذ قالوا :﴿ ما أنزل الله على بشر من شيء ﴾ [ الأنعام : ٩١ ].
وأمّ القرى : مَكّة، وأمّ الشيء استعارة شائعة في الأمر الّذي يُرجع إليه ويلتفّ حوله، وحقيقة الأمّ الأنثى الّتي تلد الطفل فيرجع الولد إليها ويلازمها، وشاعت استعارة الأمّ للأصل والمرجع حتّى صارت حقيقة، ومنه سمّيت الراية أمّاً، وسُمّي أعلى الرأس أمّ الرأس، والفاتحة أمّ القرآن.
وقد تقدّم ذلك في تسمية الفاتحة.
وإنّما سمّيت مكّة أمّ القرى لأنّها أقدم القرى وأشهرها وما تقرّت القرى في بلاد العرب إلاّ بعدها، فسمّاها العرب أمّ القرى، وكان عرب الحجاز قبلها سكّان خيام.
وإنذار أمّ القرى بإنذار أهلِها، وهذا من مجاز الحذف كقوله تعالى :﴿ واسألْ القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ]، وقد دلّ عليه قوله ﴿ ومن حولها ﴾، أي القبائل القاطنة حول مكّة مثل خُزاعة، وسعد بن بَكْر، وهوازن، وثقيف، وكنانة.
ووجه الاقتصار على أهل مكّة ومن حولها في هذه الآية أنّهم الّذين جرى الكلام والجدال معهم من قوله :﴿ وكذّب به قومك وهو الحقّ ﴾ [ الأنعام : ٦٦ ]، إذ السّورة مكّية وليس في التّعليل ما يقتضي حصر الإنذار بالقرآن فيهم حتّى نتكلّف الادّعاء أنّ ﴿ من حولها ﴾ مراد به جميع أهل الأرض.
وقرأ الجمهور ﴿ ولتنذر أمّ القرى ﴾ بالخطاب، وقرأه أبو بكر وحده عن عاصم ﴿ ولينذر ﴾ بياء الغائب على أن يكون الضّمير عائداً إلى ﴿ كتاب ﴾. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾