و ( ما ) موصولة ومعنى تركهم إيّاه وراء ظهورهم بعدُهم عنه تمثيلاً لحال البعيد عن الشّيء بمن بارحه سائراً، فهو يترك من يبارحه وراءه حين مبارحته لأنّه لو سار وهو بين يديه لبلغ إليه ولذلك يمثّل القاصد للشّيء بأنّه بين يديه، ويقال للأمر الّذي يهيّئه المرءُ لنفسه : قد قدّمه.
﴿ وتَركتم ﴾ عطف على ﴿ جئتمونا ﴾ وهو يبيّن معنى ﴿ فرادى ﴾ إلاّ أنّ في الجملة الثّانية زيادة بيان لمعنى الانفراد بذكر كيفية هذا الانفراد لأنّ كلا الخبرين مستعمل في التّخطئة والتّنديم، إذ جاءوا إلى القيامة وكانوا ينْفون ذلك المجيء وتركوا ما كانوا فيه في الدّنيا وكان حالهم حال من ينوي الخلود.
فبهذا الاعتبار عطفت الجملة ولم تفصل.
وأبو البقاء جعل الجملة حالاً من الواو في ﴿ جئتمونا ﴾ فيصير ترك ما خوّلوه هو محلّ التّنكيل.
وكذلك القول في جملة ﴿ وما نَرى معكم شفعاءكم ﴾ أنّها معطوفة على ﴿ جئتمونا وتركتم ﴾ لأنّ هذا الخبر أيضاً مراد به التّخطئة والتَّلهيف، فالمشركون كانوا إذا اضطربت قلوبهم في أمر الإسلام علّلوا أنفسهم بأنّ آلهتهم تشفع لهم عند الله.
وقد روى بعضهم : أنّ النّضر بن الحارث قال ذلك، ولعلّه قاله استسخاراً أو جهلاً، وأنّ الآية نزلت ردّاً عليه، أي أن في الآية ما هو ردّ عليه لا أنّها نزلت لإبطال قوله لأنّ هذه الآيات متّصل بعضها ببعض، وفي قوله :﴿ وما نرى معكم شفعاءكم ﴾ بيان أيضاً وتقرير لقوله :﴿ فرادى ﴾.