فصل


قال الفخر :
وفي قوله :﴿فَالِقُ الحب والنوى﴾ قولان :
القول الأول : وهو مروي عن ابن عباس وقول الضحاك ومقاتل :﴿فَالِقُ الحب والنوى﴾ أي خالق الحب والنوى.
قال الواحدي : ذهبوا بفالق مذهب فاطر، وأقول : الفطر هو الشق، وكذلك الفلق، فالشيء قبل أن دخل في الوجود كان معدوماً محضاً ونفياً صرفاً، والعقل يتصور من العدم ظلمة متصلة لا انفراج فيها ولا انفلاق ولا انشقاق، فإذا أخرجه المبدع الموجد من العدم إلى الوجود، فكأنه بحسب التخيل والتوهم شق ذلك العدم وفلقه.
وأخرج ذلك المحدث من ذلك الشق.
فبهذا التأويل لا يبعد حمل الفالق على الموجد والمحدث والمبدع.
والقول الثاني : وهو قول الأكثرين : أن الفلق هو الشق، والحب هو الذي يكون مقصوداً بذاته مثل حبة الحنطة والشعير وسائر الأنواع، والنوى هو الشيء الموجود في داخل الثمرة مثل نوى الخوخ والتمر وغيرهما.
إذا عرفت هذا فنقول : إنه إذا وقعت الحبة أو النواة في الأرض الرطبة، ثم مر به قدر من المدة أظهر الله تعالى في تلك الحبة والنواة من أعلاها شقاً ومن أسفلها شقاً آخر.
أما الشق الذي يظهر في أعلى الحبة والنواة فإنه يخرج منه الشجرة الصاعدة إلى الهواء، وأما الشق الذي يظهر في أسفل تلك الحبة فإنه يخرج منه الشجرة الهابطة في الأرض وهي المسماة بعروق الشجرة، وتصير تلك الحبة والنواة سبباً لاتصال الشجرة الصاعدة في الهواء بالشجرة الهابطة في الأرض.
ثم إن ههنا عجائب : فإحداها : أن طبيعة تلك الشجرة إن كانت تقتضي الهوى في عمق الأرض فكيف تولدت منها الشجرة الصاعدة في الهواء ؟ وإن كانت تقتضي الصعود في الهواء، فكيف تولدت منها الشجرة الهابطة في الأرض ؟ فلما تولد منها هاتان الشجرتان مع أن الحس والعقل يشهد بكون طبيعة إحدى الشجرتين مضادة لطبيعة الشجرة الأخرى، علمنا أن ذلك ليس بمقتضى الطبع والخاصية، بل بمقتضى الإيجاد والإبداع والتكوين والاختراع.


الصفحة التالية
Icon