وقال ابن عاشور :
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾
عطف على جملة :﴿ وجاعل اللّيل سكناً ﴾ [ الأنعام : ٩٦ ]، وهذا تذكير بوحدانيّة الله، وبعظيم خلقة النّجوم، وبالنّعمة الحاصلة من نظام سيرها إذ كانت هداية للنّاس في ظلمات البرّ والبحر يهتدون بها.
وقد كان ضبط حركات النّجوم ومطالعها ومغاربها من أقدم العلوم البشريّة ظهر بين الكلدانيّين والمصريّين القدماء.
وذلك النّظام هو الّذي أرشد العلماء إلى تدوين علم الهيئة.
والمقصود الأوّل من هذا الخبر الاستدلال على وحدانيّة الله تعالى بالإلهيّة، فلذلك صيغ بصيغة القصر بطريق تعريف المسند والمسند إليه، لأنّ كون خلق النّجوم من الله وكونها ممّا يهتدَى بها لا ينكره المخاطبون ولكنّهم لم يَجْرُوا على ما يقتضيه من إفراده بالعبادة.
والنّجُوم جمع نجم، وهو الكوكب، أي الجسم الكروي المضيء في الأفق ليْلاً الّذي يبدو للعين صغيراً، فليس القمر بنجْم.
و﴿ جَعَل ﴾ هنا بمعنى خَلَق، فيتعّدى إلى مفعول واحد و﴿ لكُم ﴾.
متعلّق بـ ﴿ جعل ﴾، والضّمير للبشر كلّهم، فلام ﴿ لكم ﴾ للعلّة.
وقوله :﴿ لتهتدوا بها ﴾ علّة ثانية لِ ﴿ جعَل ﴾ فاللاّم للعلّة أيضاً، وقد دلّت الأولى على قصد الامتنان، فلذلك دخلت على ما يدلّ على الضّمير الدالّ على الذّوات، كقوله :﴿ ألم نشرح لك صدرك ﴾ [ الشرح : ١ ]، واللاّم الثّانية دلّت على حكمة الجعل وسبب الامتنان وهو ذلك النّفع العظيم.
ولمّا كان الاهتداء من جملة أحوال المخاطبين كان موقع قوله :﴿ لتهتدوا ﴾ قريباً من موقع بدل الاشتمال بإعادة العامل، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى :﴿ تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا ﴾ في سورة [ المائدة : ١١٤ ].
والمراد بالظلمات : الظلمة الشّديدة، فصيغة الجمع مستعملة في القوّة.


الصفحة التالية
Icon