فصل
قال الفخر :
هذا نوع رابع من دلائل وجود الإله وكمال قدرته وعلمه، وهو الاستدلال بأحوال الإنسان فنقول لا شبهة في أن النفس الواحدة هي آدم عليه السلام وهي نفس واحدة.
وحواء مخلوقة من ضلع من أضلاعه.
فصار كل الناس من نفس واحدة وهي آدم.
فإن قيل : فما القول في عيسى ؟
قلنا : هو أيضاً مخلوق من مريم التي هي مخلوقة من أبويها.
فإن قالوا : أليس أن القرآن قد دل على أنه مخلوق من الكلمة أو من الروح المنفوخ فيها فكيف يصح ذلك ؟
قلنا : كلمة "من" تفيد ابتداء الغاية ولا نزاع أن ابتداء تكون عيسى عليه السلام كان من مريم وهذا القدر كاف في صحة هذا اللفظ.
قال القاضي : فرق بين قوله :﴿أَنشَأَكُمْ﴾ وبين قوله :﴿خَلَقَكُمْ﴾ لأن أنشأكم يفيد أنه خلقكم لا ابتداء.
ولكن على وجه النمو والشنوء لا من مظهر من الأبوين، كما يقال : في النبات إنه تعالى أنشأه بمعنى النمو والزيادة إلى وقت الانتهاء. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٨٣ ـ ٨٤﴾
وقال الآلوسى :
﴿ وَهُوَ الذى أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ واحدة ﴾
أي آدم عليه السلام وهو تذكير لنعمة أخرى فإن رجوع الكثرة إلى أصل واحد أقرب إلى التواد والتعاطف.
وفيه أيضاً دلالة على عظيم قدرته سبحانه وتعالى. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ وَهُوَ الذى أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ واحدة ﴾
هذا تذكير بخلق الإنسان وكيف نشأ هذا العدد العظيم من نفْس واحدة كما هو معلوم لهم، فالّذي أنشأ النّاس وخلقهم هو الحقيق بعبادتهم دون غيره ممّا أشركوا به، والنّظر في خلقة الإنسان من الاستدلال بأعظم الآيات.
قال تعالى :﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾ [ الذاريات : ٢١ ].
والقصر الحاصل من تعريف المسند إليه والمسند تعريض بالمشركين، إذ أشركوا في عبادتهم مع خالقهم غيرَ من خلقهم على نحو ما قررتُه في الآية قبل هذه.
والإنشاء : الإحداث والإيجاد.
والضّمير المنصوب مراد به البشر كلّهم.