وقال الآلوسى :
﴿ إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى ﴾
شروع في تقرير بعض أفاعيله تعالى العجيبة الدالة على كمال علمه تعالى وقدرته ولطيف صنعه وحكمته إثر تقرير أدلة التوحيد، وفي ذلك "تنبيه على أن المقصود ( الأصلي ) من جميع المباحث العقلية والنقلية وكل المطالب الحكمية إنما هو معرفة الله تعالى بذاته وصفاته وأفعاله سبحانه".
والفالق الموجد والمبدع كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والضحاك والحب معلوم.
والنوى جمع نواة التمر كما في "القاموس" وغيره يؤنث ويذكر ويجمع على أنواء ونوى بضم النون وكسرها.
وفسره الإمام بالشيء الموجود في داخل الثمرة بالمثلثة أعم من التمر بالمثناة وغيره، والمشهور أن النوى إذا أطلق فالمراد منه ما في "القاموس" وإذا أريد غيره قيد فيقال : نوى الخوخ ونوى الإجاص ونحو ذلك.
وأصل الفلق الشق.
وكان إطلاق الفالق على الموجد باعتبار أن العقل يتصور من العدم ظلمة متصلة لا انفراج فيها ولا انفلاق فمتى أوجد الشيء تخيل الذهن أنه شق ذلك العدم وفلقه وأخرج ذلك المبدع منه، وعن الحسن وقتادة والسدي أن المعنى شاق الحبة اليابسة ومخرج النبات منها وشاق النواة ومخرج النخل والشجر منها وعليه أكثر المفسرين ولعله الأولى.
وفي ذلك دلالة على كمال القدرة لما فيه من العجائب التي تصدح أطيارها على أفنان الحكم وتطفح أنهارها في رياض الكرم.
وعن مجاهد وأبي مالك أن المراد بالفلق الشق الذي بالحبوب وبالنوى أي أنه سبحانه خالقهما كذلك كما في قولك : ضيق فم الركية ووسع أسفلها.
وضعف بأنه لا دلالة له على كمال القدرة كما في سابقه. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾
استئناف ابتدائي انتُقل به من تقرير التّوحيد والبعث والرّسالة وأفانين المواعظ والبراهين الّتي تخلّلت ذلك إلى الاستدلال والاعتبار بخلق الله تعالى وعجائب مصنوعاته المشاهدة، على انفراده تعالى بالإلهيّة المستلزم لانتفاء الإلهيّة عمّا لا تقدر على مثل هذا الصّنع العجيب، فلا يحقّ لها أن تعبد ولا أن تشرك مع الله تعالى في العبادة إذ لا حقّ لها في الإلهيّة، فيكون ذلك إبطالاً لشرك المشركين من العرب، وهو مع ذلك إبطال لمعتقَد المعطّلين من الدُهريين منهم بطريق الأوْلى، وفي ذلك امتنان على المقصودين من الخطاب وهم المشركون بقرينة قوله :﴿ فأنَّى تُؤفَكُون ﴾، أي فتكفرون النّعمة.
وفيه عِلم ويقين للمؤمنين من المصدّقين واستزادة لمعرفتهم بربّهم وشكرهم.


الصفحة التالية
Icon