وافتتاحُ الجملة بـ ﴿ إنْ ﴾ مع أنّه لا ينكر أحد أنّ الله هو فاعل الأفعال المذكورة هنا، ولكنَّ النّظر والاعتبار في دلالة الزّرع على قدرة الخالق على الإحياء بعد الموت كما قدر على إماتة الحي، لمّا كان نظراً دقيقاً قد انصرف عنه المشركون فاجْترأوا على إنكار البعث، كان حالهم كحال من أنكر أو شَكّ في أنّ الله فالقُ الحبّ والنَّوى، فأكّد الخبر بحرف ( إنْ ).
وجيء بالجملة الاسميّة للدّلالة على ثبات هذا الوصف دوامه لأنّه وصف ذاتي لله تعالى، وهو وصف الفعل أو وصف القدرة وتعلُّقاتها في مصطلح من لا يثبت صفات الأفعال، ولمّا كان المقصود الاكتفاء بدلالة فلق الحبّ والنّوى على قدرة الله على إخراج الحيّ من الميّت، والانتقالُ من ذلك إلى دلالته على إخراج الحيّ من الميّت في البعث، لم يؤت في هذا الخبر بما يقتضي الحصر إذ ليس المقام مقام القصر.
والفَلْق : شَقّ وصدعُ بعض أجزاء الشّيء عن بعض، والمقصود الفلق الّذي تنبثق منه وشائج النّبْت والشّجر وأصولها، فهو محلّ العبرة من علم الله تعالى وقدرته وحكمته.
والحَبّ اسم جمع لما يثمره النّبت، واحده حبّة.
والنَّوى اسم جمع نواة، والنّواة قلب التّمرة.
ويطلق على ما في الثّمار من القلوب الّتي منها يَنبت شجرها مثل العنب والزّيتون، وهو العَجَم بالتّحريك اسم جمع عَجَمة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحى﴾
فصل
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحى﴾ ففيه مباحث :
الأول : أن ﴿الحى﴾ اسم لما يكون موصوفاً بالحياة، و﴿الميت﴾ اسم لما كان خالياً عن صفة الحياة فيه، وعلى هذا التقدير : النبات لا يكون حياً.
إذا عرفت هذا فللناس في تفسير هذا ﴿الحى﴾ و﴿الميت﴾ قولان : الأول : حمل هذين اللفظين على الحقيقة.