قال ابن عباس : يخرج من النطفة بشراً حياً، ثم يخرج من البشر الحي نطفة ميتة، وكذلك يخرج من البيضة فروجة حية، ثم يخرج من الدجاجة بيضة ميتة، والمقصود منه أن الحي والميت متضادان متنافيان، فحصول المثل عن المثل يوهم أن يكون بسبب الطبيعة والخاصية.
أما حصول الضد من الضد، فيمتنع أن يكون بسبب الطبيعة والخاصية، بل لا بد وأن يكون بتقدير المقدر الحكيم، والمدبر العليم.
والقول الثاني : أن يحمل ﴿الحى﴾ و﴿الميت﴾ على ما ذكرناه، وعلى الوجوه المجازية أيضاً، وفيه وجوه : الأول : قال الزجاج : يخرج النبات الغض الطري الخضر من الحب اليابس ويخرج اليابس من النبات الحي النامي.
الثاني : قال ابن عباس : يخرج المؤمن من الكافر، كما في حق إبراهيم، والكافر من المؤمن كما في حق ولد نوح، والعاصي من المطيع، وبالعكس.
الثالث : قد يصير بعض ما يقطع عليه بأنه يوجب المضرة سبباً للنفع العظيم، وبالعكس.
ذكروا في الطب أن إنساناً سقوه الأفيون الكثير في الشراب لأجل أن يموت، فلما تناوله وظن القوم أنه سيموت في الحال رفعوه من موضعه ووضعوه في بيت مظلم فخرجت حية عظيمة فلدغته فصارت تلك اللدغة سبباً لاندفاع ضرر ذلك الأفيون منه، فإن الأفيون يقتل بقوة برده، وسم الأفعى يقتل بقوة حره فصارت تلك اللدغة سبباً لاندفاع ضرر الأفيون، فههنا تولد عما يعتقد فيه كونه أعظم موجبات الشر أعظم الخيرات، وقد يكون بالعكس من ذلك، وكل هذه الأحوال المختلفة والأفعال المتدافعة تدل على أن لهذا العالم مدبراً حكيماً ما أهمل مصالح الخلق وما تركهم سدى، وتحت هذه المباحث مباحث عالية شريفة.
البحث الثاني : من مباحث هذه الآية قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ﴿الميت﴾ مشددة في الكلمتين والباقون بالتخفيف في الكلمتين، وكذلك كل هذا الجنس في القرآن.