ولما لم يكن لهم من معالجة الأعناب وغيرها ما لهم من معالجة النخيل، عطف على " نبات " منبهاً لهم على أنها - كالنخيل - هو سبحانه المتفرد بإبداعها كما تقدم - فقال :﴿وجنات﴾ أي بساتين ﴿من أعناب﴾ وجمعها لكثرة أنواعها، وبدأ بهاتين الشجرتين لفضلهما كما تقدم على غيرهما، لأن ثمرهما فاكهة وقوت، وقدم الأول لأنهم له أكثر ملابسة، وإن كان العنب أشرف أنواع الفواكه، فإنه ينتفع به من أول ظهوره لأنه أولاً يكون له خيوط خضر دقيقة حامضة لذيذة، ثم تكون الحصرم، وهو طعام شريف للأصحاء والمرضى، وقد يتخذ منه رُبّ الحصرم وأشربة لطيفة المذاق نافعة لأصحاب الصفراء، ويطبخ منه ألذ الأطعمة الحامضة، وهو عنباً ألذ الفواكه وأشهاها، ويدخر عنباً قريباً من سنة، ويكون زبيبه غذاء، ويكون منه الدِبس والخل وغير ذلك، وأحسن ما فيه عجمه، وهو يتخذ منه جوارشات عظيمة النفع للمعدة الضعيفة الرطبة وقدم النخيل لأنها قوت للعرب، وبينها وبين الإنسان مشابهة في خواص كثيرة لا توجد في النبات، ولذا جاء في الحديث " أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من طينة آدم عليه السلام، وليس من الشجر يلقح غيرها " - رواه أبو يعلى وأبو نعيم في الحلية وأبو الشيخ عن علي رضي الله عنه ؛ وأتبعهما ما يليهما في الفضيلة فقال :﴿والزيتون﴾ وقدمه لكثرة نفعه، وينفصل منه دهن عظيم النفع في الأكل والضياء وسائر وجوه الاستعمال ﴿والرمان﴾ ختم به لحسنه وعظيم نفعه، وهو مركب من أربعة أشياء : قشره وشحمه وعجمه ومائه، فالثلاثة الأول باردة يابسة أرضية كثيفة عفصية فائضة جداً، والماء بضدها وهو ألذ الأشربة وألطفها وأقربها إلى الاعتدال وأشدها مناسبة للطبع المعتدل، وفي ذلك تقوية للمزاج الضعيف، وهو غذاء من وجه ودواء من وجه.


الصفحة التالية
Icon