وجعل أبو البقاء هذا الكلام حينئذ بدلاً من ﴿ أَخْرَجْنَا ﴾ الأول، وذكر بعض المحققين أن في الآية على تقدير عود الضمير إلى الماء معنى بديعاً حيث تضمنت الإشارة إلى أنه تعالى أخرج من الماء الحلو الأبيض في رأي العين أصنافاً من النبات والثمار مختلفة الطعوم والألوان وإلى ذلك نظر القائل يصف المطر
: يمد على الآفاق بيض خيوطه...
فينسج منها للثرى حلة خضرا
وقوله تعالى :﴿ نُّخْرِجُ مِنْهُ ﴾ صفة لخضراً، وصيغة المضارع لاستحضار الصورة بما فيها من الغرابة، وجوز أن يكون مستأنفاً أي نخرج من ذلك الخضر ﴿ حَبّاً مُّتَرَاكِباً ﴾ أي بعضه فوق بعض كما في السنبل وقرىء ﴿ يَخْرُجُ مِنْهَا حُبَّ ﴾. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
قوله تعالى ﴿وَمِنَ النخل مِن طَلْعِهَا قنوان دَانِيَةٌ﴾
فصل
قال الفخر :
ولما ذكر ما ينبت من الحب أتبعه بذكر ما ينبت من النوى، وهو القسم الثاني فقال :﴿وَمِنَ النخل مِن طَلْعِهَا قنوان دَانِيَةٌ﴾ وههنا مباحث :
البحث الأول : أنه تعالى قدم ذكر الزرع على ذكر النخل، وهذا يدل على أن الزرع أفضل من النخل.
وهذا البحث قد أفرد الجاحظ فيه تصنيفاً مطولاً.
البحث الثاني : روى الواحدي عن أبي عبيدة أنه قال : أطلعت النخل إذا أخرجت طلعها وطلعها كيزانها قبل أن ينشق عن الأغريض، والأغريض يسمى طلعاً أيضاً.
قال والطلع أول ما يرى من عذق النخلة، الواحدة طلعة.
وأما ﴿قِنْوانٌ﴾ فقال الزجاج : القنوان جمع قنو.
مثل صنوان وصنو.
وإذا ثنيت القنو قلت قنوان بكسر النون، فجاء هذا الجمع على لفظ الاثنين والإعراب في النون للجمع.
إذا عرفت تفسير اللفظ فنقول : قوله :﴿قنوان دَانِيَةٌ﴾ قال ابن عباس : يريد العراجين التي قد تدلت من الطلع دانية ممن يجتنيها.