قال في " الانتصاف " : وقد وردا جميعاً بصيغة الفعل كثيراً في قوله :﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ [ الروم : ١٩ ]. وقوله :﴿ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيّ ﴾ [ يونس : ٣١ ] فعطفُ أحد القسمين على الآخر، كثيراً دليلٌ على أنهما توأمان مقترنان، وذلك يبعد قطعه عنه في آية الأنعام هذه وردّه إلى :﴿ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ فالوجه -والله أعلم -أن يقال : كان الأصل وروده بصيغة اسم الفاعل أسوة أمثاله من الصفات المذكورة في هذه الآية من قوله :﴿ فَالِقُ الْحَبِّ ﴾ و :﴿ فَالِقُ الإِصْبَاحِ ﴾ و :﴿ وَجَعَلَ اللَّيْلَ ﴾ و :﴿ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾ [ وفي المطبوع : مُخْرِجُ الحَيَّ نِنَ الْمَيِّتِ ] إلا أنه عدل عن اسم الفاعل إلى الفعل المضارع في هذا الوصف وحده، وهو قوله :﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾ إرادة لتصوير إخراج الحيّ من الميت، واستحضاره في ذهن السامع. وهذا التصوير والاستحضار إنما يتمكن في أدائها الفعلُ المضارع دون اسم الفاعل والماضي. وقد مضى تمثيل ذلك بقوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ﴾ [ الحج : ٦٣ ] فعدل عن الماضي المطابق لقوله :﴿ أَنزَلَ ﴾ لهذا المعنى، ومنه ما في قوله :
~بأنّي قَدْ لَقِيتُ الغُولَ تَهْوِي بسَهْبٍ كالصحيفةِ صَحْصَحَان
~فَأَضربُها بلا دَهَشٍ فَخَرَّتْ صَريعاً لليدينِ ولِلجرَانِ